topbackground007

الشيشان
( بقلم الدكتور أمين شمس الدين )

qimgفيسرني في موقعنا هذا، تعريف أبناء الشيشان القاطنين في البلاد العربية، وكذلك أخوتنا العرب في كل مكان، و المهتمين، بالشعب الشيشاني/ أصله وتاريخه وثقافته ولغته، وقضاياه الأخرى، سواء في جمهورية الشيشان، أو في خارجها. علما بأن الشيشان والإنجوش يتواجدون في بلدان الشرق الأوسط وفي أوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان. والشيشان – إنجوش يشكلون جزءا لا يتجزأ من الشعوب والأمم التي يعيشون معها أينما كانوا، وحيثما حلوا. وهم كذلك في القوقاز أيضاً (موطنهم الأصلي) جزء لا يتجزأ من شعوبه وشعوب روسيا الاتحادية كافة.

من هم الشيشان والإنجوش  CHECHEN & INGOUSH

الشيشان، أو الشاشان، أو التشاتشان، أو التشتشن، وكلها كلمات مترادفة تعني الشيشان. وهذه الكلمات يختلف لفظها من بلد إلى آخر. وسنعتمد من هنا وطالعاً لفظ "الشيشان". الشيشانيون- شعب عريق، أبي، أصيل، موطنه الأساسي هو القوقاز، بل وجد وعاش فيه منذ آلاف السنين، كما تثبت الآثار والتاريخ، قديمه وحديثه.

والقوقاز، أو القفقاس، أو الكوكاز، هي كلمات مترادفة أيضا، وكلها تشير إلى نفس المعنى. تتكون كلمة الكوكاز في اللغة الشيشانية من مقطعين هما : الأول- كاو ، والذي بدوره يتألف من كا، وتعني قبضة اليد. وعند إضافة الواو إليها لتصبح كاو، يصير معناها بوّابة. ويقصد بها حيازة البوابة أو مدخل المنطقة. والمقطع الثاني، كاز، يعني لغوياً الشيء الذي خارج قبضة اليد. وبذلك يصبح معنى الكوكاز ( القوقاز) – الفاصل بين ما في حوزتك وحوزة الآخرين. ويقصد بذلك منطقة الكوكاز الجبلية، وهي المنطقة الفاصلة ما بين أوروبا وآسيا. وكذلك الحد الفاصل ما بين بحر قزوين (بحر الخزر) وبين البحر الأسود.  وهذه المنطقة تشكل حلقة وصل ما بين أوروبا وآسيا.

إن الشعبين الشيشاني والإنجوشي تجمعهما كلمة " وايناخ " VAINAKH ، وتعني قومنا أو شعبنا، وهم من أقدم شعوب القوقاز، ومن أصولها، وله تاريخ تليد، حافل بالمجد والسؤدد، ومنقوش في صفحات تلك البلاد الجميلة الخالدة. وقد لعب الشيشان والإنجوش دوراً بارزاً في مجالات التطور الإتني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي في هذه المنطقة.

والشيشان والإنجوش، من الجنس القوقازي، أو الأبيض، ويسمى أيضا بالجنس الأوروبي.

والشيشان يسمون أنفسهم بـ "نوختشي"، أو "ناختشو"، وهذه الكلمة تتألف من مقطعين (ناخ – تشو)، وهو اسم يطلق أيضاً على جميع قبائلهم من إطلاق المقيد وإرادة المطلق، أو من إطلاق الجزء وإرادة الكل تجوزا، على طريقة المجاز المرسل. و ناخ- تعني "ناس"، و تشو تشير إلى- "الداخل" ، وتعني الكريم المفتوح بابه للقادم.

قبل تفكك الاتحاد السوفييتي كانت للشيشان والإنجوش جمهورية واحدة تسمى "جمهورية الشيشان- إنجوش السوفييتية ذاتية الحكم". وإثر انهيار الاتحاد أصبح للشيشان جمهورية، وهي: جمهورية الشيشان Chechen Republic ، وللإنجوش جمهورية، وهي: جمهورية الإنجوش Ingoush Republic. وكلتاهما من جمهوريات روسيا الاتحادية، وتتمتعان بحكم ذاتي. ويحد الشيشان من الشمال إقليم ستافروبول الروسي وجزء من الداغستان، ومن الشرق جمهورية الداغستان ذاتية الحكم، ومن الجنوب جمهورية جورجيا. وجمهورية الإنجوش تحد جمهورية الشيشان من الغرب. وتبلغ مساحة جمهورية الشيشان ما يزيد عن 17 ألف كم2، وعدد سكانها يقارب المليون و150 ألف. أما جمهورية الإنجوش فتبلغ مساحتها 3.6 ألف كم2 (4/4/1992)، وعدد سكانها 466.3 ألف نسمة (1/1/2002).

أصلهم ومنشأهم

توجد وجهات نظر مختلفة، وأحيانا أساطير عن أصل الشيشان – إنجوش ومنشأهم. وبسبب أن بعض العناصر الطورانية، كالقوموق والفارسية، والذين منهم شعب الأوسيت قطنت القوقاز، اختلف الرواة والمؤرخون في إرجاع شعوبها إلى أصولها، ولغاتهم إلى فصائلها. ويقسم بعض العلماء الأجناس إلى الآتي:

  1. الجنس القوقازي، ويسمى أيضا الأوروبي أو الأبيض

2- الجنس السامي (عرب وسريان)

3- الجنس الآري

4- الجنس الطوراني (التتار)

        ويلاحظ أنهم جعلوا الجنس القوقازي عنصرا مستقلاً، ثم نسبت إليه الشعوب التالية: شيشان – لازكي (الليزغين) – شركس، حيث ورد : "  القوقازيون تعني قوماً لا وصف لهم كما هو للأقوام الثلاثة السابقة.."

        وهناك بعض آخر يرى أن الشيشان من الساميين، ويؤيد هذا الرأي بعض المؤرخين، بترجيح ورود الشيشان إلى القوقاز عن طريق الجنوب، منذ حوالي خمسة آلاف سنة، ويوافقهم بعض الشيشان من سكان البلاد العربية، فيدعون أنهم من عرب رُوَلة، من عشيرة معّاز. وكذلك بعض الرولة في الشام، لا يزالون يعتبرونهم إخوانهم في الدم والعنصر، لكن هذا الرأي لا يستند إلى مصادر علمية، ولا إلى وثائق مادية أو تاريخية.

        وفريق آخر من مؤرخي وعلماء الأتراك، يقولون بان الشيشان هم من العنصر الطوراني، وهذا الرأي أيضا لا يوافق المكتشفات والمعطيات التاريخية.

        كما وتوجد روايات وادّعاءات تقول أنهم من العنصر الآري، ومن أصل ألماني. أما دائرة المعارف البريطانية فقد فندت الرأيين الأخيرين بقولها: " أن الشيشان لا يمتون بصلة إلى العنصر الطوراني، وهم ليسو جرماناً".

        أما الكوثري فيرجع الشيشان إلى أصل من أصول الآريين، قائلاً: ".. وتيتينزه (الشيشان) هي أمة تُتُن القديمة، ومنها الألمان، كما يظهر من لغات التاريخ والجغرافيا.."، وتتن معناه في اللغة الشيشانية " الرأس". إن كلمة تُتُن أو ججن (تشتشن) أو تيتينزه، كلها أسماء مترادفة ومتشابهة، تطلق على الشيشان منذ التواريخ القديمة.

        وقد ارجع بعضهم لغة الشيشان إلى "اللاّن" (ألان) أو الألَنْ، المشهورين في التاريخ، فقال: ".. ينبغي أن ننتبه إلى لغتهم التي تظهر أنها لغة اللآّن المشهورين في التواريخ.."، وكذلك: ".. وكلهم (أي الشيشان) يتكلمون بلغة مخصوصة يظهر أنها عندهم من قديم الزمان..".

تطرق إلى مسألة أصل الشيشان والإنجوش أيضا الباحثون: غينكو أ.، و مارّ ن.، و كروبنوف، وخريستيانوفيتش ف.، و باغراتيوني ت.، و ديشرييف يو.، و أشاييف م.، وسلاموف وغيرهم. والثلاثة الأخيرون هم مؤرخون شيشان.

chechen resitance

 وعلى رأي خريستيانوفيتش ف. – الشيشان والإنجوش جاؤوا إلى منطقة شمال القوقاز من ما وراء الجبال، من الجنوب، بعكس الأوسيت والبلقار والكاراتشاي والقبرطاي، الذين أتوا إلى هنا من ما وراء السهوب. أما غينكو أ. فيقول من خلال تحليله الديني، وتواجد المعابد القديمة المختلفة، مثل معبد الإله توشولا، بأن " القاعدةالرئيسة لحياة الشيشان والإنجوش القومية " هي منطقة توشيتيا الحالية، وهذه المنطقة تقع في شمال جمهورية جورجيا التي تحد البلاد الشيشانية من الجنوب.

إلا أن البعض الآخر مثل المؤرخ مارّ ن. يقول معتمداً على التقارب الشديد بين اللغات القوقازية المتنوعة، بأن شعوب البشاف، والخيفسور، المنتشرة ما وراء الحدود الجنوبية من بلاد الشيشان، هما من القبائل الشيشانية، التي أصبحت مع الزمن تعتبر جورجية.

والباحث كروبنوف إ. يقارب ما بين الإنجوش والجورجيين على أساس اللغة (علماً بأن اقرب لغة للإنجوشية هي اللغة الشيشانية). أما باغراتيوني، فيذكر موضحاً مجاري ومنابع نهري أبانتا و ألازني من بلاد إيبيريا:- " التوش والبشاف والخيفسور والغْليغ، هم من الشعوب الجورجية، تعيش حالياً في جبال القوقاز.     

يقول المؤرخ الشيشاني أحمد سليمانوف، بأن القبائل الشيشانية مثل طيرلوي و معايسْتي و مالْخييسْتي ، يعتبرون الخيفسور مجموعة إتنوغرافية منفصلة عن الجورجيين، وبأن هناك أشياء كثيرة مشتركة ما بين الخيفسور وبين القبائل الشيشانية المذكورة، من كلمات وأسماء وغير ذلك.. وأنهم كانوا يعبدون نفس الآلهة في السابق (أحمد سليمانوف، أماكن الاستيطان القديمة للعشائر الشيشانية، جـ 2، ص 272).

        ولاحظ غينكو أ. أيضا، من خلال دراساته أن كلمة إنجوشت، ظهرت في الأدب الأوروبي على لسان شتيلين ي.، عام 1770م، ثم ظهرت بعد ذلك في مؤلفات الأكاديمي غيورغي، عام 1776م. كما ظهرت نفس التسمية في الكتابات الجورجية في الربع الثاني من القرن الثامن عشر- بأنه في وادي نهر بوراغنيس- تسخالي (نهر سونجا)، تقع قرية جبلية صغيرة، قديمة جداً، تسمى – إنجوستي (الجيم تلفظ مصرية).

        ويظهر بان الإنجوش سكنوا هذه المنطقة بفترة زمنية بعيدة، تعود إلى ما قبل القرن الثامن عشر بكثير.

        توجد هناك أبحاث كثيرة عن الكيستيين، والزورزوق (zurzukka) ، والتي لا شك بأن لها علاقات قريبة أو بعيدة مع شعب الوايناخ. وبلاد الزورزوق، كما يذكر في مراجع جورجية قديمة، كانت ذات مساحة محدودة، وواضحة المعالم، تسكنها قبائل متقاربة، ذات ثقافة إتنوغرافية واحدة.

        ويأتي بذكر الزورزوق، المؤرخ المشهور فقيه الهمذاني أيضا في كتاباته. وهناك محاولات أخرى للكشف عن أصل هذه الشعوب كـالزورزوق، يذكر منها في كتابات المؤرخين الأرمن في "الجغرافية الأرمنية" – القرن السابع قبل الميلاد. و"الجغرافية الأرمنية" هي من أهم المخطوطات القديمة، التي تشير إلى أن شعب الوايناخ، هو من سكان الجزء الأوسط من القوقاز. وذكر في هذه المخطوطة أسم 53 من الشعوب والأقوام القوقازية، من بينها اسم "نوختشي – موتياني"، وهؤلاء هم الشيشان، حيث أن نوختشي- موت، تعني اللغة الشيشانية بلغة الشيشان، ونوختشي – موتياني تعني الناطقون بهذه اللغة. وجاء في نفس المخطوطة أيضاً، إسم كوستي، وهم الكيستيّون، وهي تسمية يطلقها الجورجيون على الإنجوش ( وهم الغالغاي كما يسمي الإنجوش أنفسهم).

        ويترجح عندنا، بأن أجداد الشيشان والإنجوش، حسب الأبحاث العلمية المستمرة، والمعطيات التاريخية، والمكتشفات المادية، والآثار – نشأوا وعاشوا في المناطق الجبلية الحالية من بلاد الشيشان والإنجوش، ومنذ أزمنة غابرة. فهناك الكثير من السراديب والأقبية وغيرها من الآثار والمكتشفات تعود إلى بداية النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، والعصر البرونزي، لا تختلف بشيء عن مثيلاتها المشيدة في العصور الوسطى، والمشهورة ليس فقط في بلاد الشيشان والإنجوش فحسب، وإنما في شمال أوسيتيا وفي الداغستان وأماكن أخرى من القوقاز.

        توجد في بلاد الشيشان الحالية منطقة تسمى "ناشخا" Nashkha. والقبائل الشيشانية الأصلية هي التي خرج أجدادها من هذه المنطقة. إن سكان ناشخا استوطنوا في جميع أراضي البلاد الشيشانية. مثل هذه القبائل الأصلية تعد تسع قبائل. والمناطق الحالية من نجو- يورت و ويدن، يسميها الشيشان بـ "نوختشي- موخك"، أي بلاد الشيشان. ومن هنا نشر سكان هذه المنطقة اسم قومهم "نوختشي" (شيشان) بين جميع القبائل الأخرى التي كانت تتكلم باللغة الشيشانية.

        يبقى أن نعرف بأن كلمة "تشيتشين" Chechen – هي التسمية الروسية للشيشان، وظهرت في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وهي مشتقة من أصل اسم قرية "تشيتشين الكبيرة، والتي أصبحت فيما بعد عاصمة البلاد الحالية – غروزني Grozny.

        والإنجوش يسمون أنفسهم بـ "غالغاي" أو "غالغي" Ghalghai، وهذه التسمية مشتقة من اسم إحدى القبائل الإنجوشية، التي كانت تقطن في مكان اسمه "غالغاتشيه" في بلاد الإنجوش الجبلية. أما الإنجوش (والجيم تلفظ مصرية) Ingoush، فهي التسمية الروسية لهم، وأخذت من اسم بلدة سهلية هي "إنجوشت".

        وحالياً موطن الشيشان والإنجوش في شمال القوقاز، في البلاد المسماة باسمهم. واليوم توجد للشيشان جمهورية، وللإنجوش جمهورية، وهما كما ذكرنا آنفا من جمهوريات روسيا الاتحادية، وتتمتعان بحكم ذاتي.

        إن تاريخ الشيشان والإنجوش لم يقل كلمته الأخيرة بعد. والأبحاث جارية والاكتشافات مستمرة، وخصوصا في ضوء التغيرات التي شهدتها وتشهدها اليوم روسيا الاتحادية، والتي تكشف محاولات لطمس الأماكن الأثرية وتاريخ وأدب وفلكلور شعوب روسيا الاتحادية، متعددة القوميات. واليوم هناك علماء تاريخ وإتنوغرافيا شيشانيون متمرسون يبحثون في التاريخ، وصدرت لهم حديثاً كتبا ومجلدات قيمة في التاريخ الشيشاني، لم يسعفنا الحظ بعد الاطلاع عليها وترجمتها.

        كلمة أخيرة نذكر فيها ما قاله الكاتب السوري، أحمد وصفي زكريا، واصفاً القوقاز بالكلمات التالية: ".. هي بحق أبدع بقاع العالم هواءاً، رغم بردها وثلجها في الشتاء، وحرها في الصيف، وهي من أغزرها وأنفعها ماءاً، وأروعها مشاهد، وأنوعها نواتج، وأكثرها قرى وشعوبا وقبائل ولغات وأديانا. هذا إلى أنها مصدر الجنس البشري الأبيض المعروف بالقوقازي، ومهد الحسن والجَمال المثاليين. وقد عاشت فيها أقوام ونشأت إمارات منذ أقدم العصور. وكانت حلقة الاتصال بين قارتي آسيا وأوروبا، وسبيل الشعوب المهاجرة، والجيوش المجتاحة من الشرق إلى الغرب أو بالعكس. وقد ظلت سداً منيعاً في وجه كل غاز.."