topbackground007

بسم الله الرحمن الرحيم

تحولات المجتمع الشيشاني

الاستاذ شمس الدين عبد الرازق الشيشاني
خريج جامعة الأزهر

المقدمة

لم يتطرق أحد حتى الآن لمسألة العشائر الشيشانية أو المجموعات الصغيرة منها فيموضوع شامل كما هو في هذا الكتاب ، الذي وضعه الكاتب والمؤرخ الشيشاني مَجاميدمَمَكاييف МОГАМЕД МАМАКАЕВ . وهذه الدراسة الوافية تعطينا الكثير عن كيفية تكونالعشائر الشيشانية وتنظيماتها القضائية وصراعاتها الاجتماعية والاقتصادية ،بالإضافة إلى أماكن تواجدها وانتشارها وعملية تطورها وما إلى ذلك مما احتوت عليهالدراسة من أحداث تاريخية وموضوعات قيمة وشيقة ، مسرودة بشكل علمي جذاب ومستندة إلىالمعلومات المادية والفلكلورية الفنية ، وأبحاث المؤرخين البارزين ذوي العلاقةالمباشرة مع الشعب الشيشاني في أكثر الأحيان . كما أن اغتناءها بمعطيات من معهدالأبحاث والتاريخ واللغة لجمهورية الشيشان - إنجوش (السوفييتية سابقا) ، أضاف إلىالبحث أهمية بالغة يمكن الاعتماد عليه جذريا واعتباره من إبداعات المؤلف ممكاييفالتي لا غنى عنها .

كلمة وايْنَاخْ كما يسمي الشيشان والإنجوش أنفسهم تعني شعبنا أو قومنا . وهذاالشعب هو أقدم شعوب القوقاز ، بل من أصوله وجذوره . وله تاريخ تليد حافل بالمجدوالسُّؤدَد ، منقوش في صفحات تلك البلاد الجميلة الخالدة . وقد جاء ذكرهم في كتبالقدماء من المؤرخين أمثال : هيرودوت واسطرابزون وغيرهما . وحافظ الوايْناخْ علىقوميتهم ووحدتها ، وعلى عاداتهم وتقاليدهم ، ولا سيما عندما كانوا يندمجون ويختلطونبغيرهم من الشعوب .

وهجرتهم في القرن الماضي كانت قليلة إذا ما قيست بهجرة الشراكسة مثلاً . ويقطـنشعـب الشيشان - إنجوش في منطقة شمال القوقاز (الكَوْكاز) (*) . (*تتكون كلمة الكوكاز في اللغة الشيشانية من مقطعين هما : الأول- كاو ، والذيبدوره يتألف من كا وتعني قبضة اليد . وعند إضافة الواو إليها لتصبح كاو ، يصيرمعناها بوّابة . ويقصد بها حيازة البوابة أو مدخل المنطقة. والمقطع الثاني كاز يعنيلغوياً الشيء الذي خارج قبضة اليد . وبذلك يصبح معنى الكوكاز ( القوقاز) - الفاصلبين ما في حوزتك وحوزة الآخرين . ويقصد بذلك منطقة الكوكاز الجبلية، وهي المنطقةالفاصلة ما بين أوروبا وآسيا . وكذلك الحد الفاصل ما بين بحر قزوين (بحر الخزر) والبحر الأسود . والكوكاز والقفقاس والقوقاز كلها كلمات مترادفة وتُطلق على المنطقةالواقعة ما بين بحر قزوين والبحر الأسود ، وهذه المنطقة تشكل حلقة وصل ما بينأوروبا وآسيا) .

ولهم جمهورية تسمى بجمهورية الشيشان-إنجوش السوفييتية ذاتية الحكم(أما الآن- جمهورية الشيشان) ، تبلغ مساحتها حوالي عشرين ألف كم2 (قبل الانفصال عن الإنجوش). ويزيد عدد سكانها عن المليون نسمة ، وعاصمتها مدينة غْرُوْز.نِي. كما ينتشر الشيشانوالإنجوش خارج جمهوريتهم في مختلف أرجاء الاتحاد السوفييتي الشاسعة (حالياً روسياالاتحادية)، وفي معظم مناطق العالم. واللغة الشيشانية لغة قديمة قائمة بذاتها ، لاتشارك لغة أي شعب من شعوب القوقاز ، وتنتمي إلى مجموعة اللغات الإيبيرية-القوقازية. وجاء في جغرافية مَلطَبرون ما يشهد على أقدميتها ، والذي يقدم فيها وصفاً لـالتشّيتشينْ ЧЕЧЕН (CHECHENS ) أو الشيشان يقول فيه : "وكلهم (القبائل الشيشانية) يتكلمون بلغة مخصوصة يظهر أنها عندهم من قديم الزمان " .

تطرق مؤلف هذا البحث بشكل مسهب إلى المجموعات الشيشانية والعشائر الرئيسة، بيدأنني أتناول ذلك بإيجاز شديد خاصاً بالذكر فقط ما يتعلق بنا نحن هنا في الأردن .

تشبه تقسيمات العشائر عند الشيشان إلى حد بعيد تقسيمات مثيلاتها عند اخوتناالعرب ، فيقول المؤلف : إن الشيشان لديهم أربعة اصطلاحات هي بمثابة الإشارة إلىالفروع المنحدرة من العشيرة ذاتها . وهذه الاصطلاحات يستعملها الشيشان منذ زمنبعيد.

وجاء في كتاب العشائر الأردنية للدكتور العبادي عن ترتيب البنيان التنظيميللعشائر مايلي :- مجموعة عشائر- العشيرة - الفرقة - الحمولة - الدرجة الخامسة - الربع - الأسرة - الفرد . ويقول العبادي بأن الفرقة هي بداية الافتراق في تحملالمسؤولية الجماعية ، وبأن الحمولة هي نهاية الدائرة في تحمل تلك المسؤولية داخلالعشيرة أو مجموعة العشائر . وأن الفرقة لا تقل عن الجد السابع أو السادس ولا تزيدعن الجد التاسع . ويذكر الكِلبي عن البنيان التنظيمي الآتي :- الشعب - القبيلة - العمارة - البطن - الفخذ .

عند الشيشان ВАР (VAR) عند المؤلف مَمَكاييف اصطلاح وارْ ذوأهمية بالغة ؛ فهويعني علاوة على بقية الاصطلاحات - مجموعة من الناس لصيقة الدم بشكل جوهري، وهي أيوار تُحدّد مفهوم العشيرة بدقة أكبر. أما جار يقابلها تماماً البطن عند العرب ، وهيكما في نيقي - أي الفخذ يستطيعون تسمية جدهم الحقيقي بعكس العشيرة ، التي يمكن أنينضم إليها بالمؤاخاة أو بالانتماءمن الخارج. .أما НЕКЪИЙ (NEQII) أما نيقي الفخذفهي تختلف عن العشيرة فقـط بعدد الأجيال . وهي بالتـأكيد تنظيم اجتماعي قائم أيضاًعلى القرابة ، ويستطيع ذكر الجد الحقيقي له مثله مثل الفـرقة عند الأستاذ العبادي. و تْســا(TZA) ЦІА - هي العائلة ، أما الأسرة عندنا فتُسمّى دويْزالْ ДОЬЗАЛ (DOEZAL) . والذي يتابع الكتاب يجد شرحاً وافيا عن هذه الاصطلاحات ومدلولاتها . يوجد في المملكة الأردنية الهاشمية في الوقت الحاضر من الشيشان والإنجوش المهاجرينما يربو عن العشرة آلاف نسمة . كما يتواجدون في سوريا والعراق وتركيا وغيرها منالبلاد الأوروبية وأمريكا .

ويعيش في الأردن ممثلو العشائر الشيشانية المنتمية إلى القبائل ( مجموعاتالعشائر) الرئيسة التسع ، الواردة في هذا الكتاب وأهمها مجموعة نوخْتشْ مَخْكَخوي ،والتي منها العشائر التالية في الأردن :- بينوي ، أيت-كالوي ، بِلْتوي ، زانْداقوي، تسونْتَروي ، غورْدالوي ، خارا تشوي ، كورْشالوي ، عَلـَروي ، جيندَر جِينوي،يالخوي ، شونوي... وغيرها .

وفي الختام نرى لزاماً على كل قادر في أي قطر من الأقطار أن يساهم في التقاربوالتراحم ، طالما كل جماعة تجهل الكثير عن الجماعة الأخرى سياسياً واقتصادياًواجتماعياً .

وتلبية لهذا النداء ، بل قياما بالواجب ووفاء للشعب والأمة والتاريخ ، كان لزاماعلينا في رأينا أن نتقدم بهذا الكتيب ، الذي يحاول فيه المؤلف والمعلق والمترجِمتحقيق بعض الأغراض وإصابة الأهداف التي يصبوا إليها .

ونحن إذ نتحدث عن المجموعات والعشائر الشيشانية - الإنجوشية من الناحبةالتاريخية والاجتماعية لا نستطيع أن ندّعي أننا سوف نفي البحث حقه . فكثير منمستلزماته لا يزال في دور التبلور ، كما أن كثير من الحقائق التاريخية لا تزال فيحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة .

وأياً كانت الحال ، فالكتاب وترجمته محاولة جيدة، ورائدة نصل عبرها إلى تعرفقراء اللغة العربية على شيء عن أحوال الشيشان والإنجوش ، وبعض عاداتهم وتقاليدهم،في بلد يعيش الآن أبناؤهم فيه ، واندمجوا بأهله الكرماء الطيبين . وهو واجب يتمشىمع عادات وتقاليد العرب .

وأخيرا ، رجاؤنا وأملنا أن يكون هذا الكتيب بادرة لاهتمام الكتاب والمؤرخين منأبناء هذه الأمة ، سيما ونحن في مزيد من الحاجة إلى المعرفة والاطّلاع . القسمالثاني

"تحولات المجتمع العشائري الشيشاني في العصرالحديث"
المؤلف: مجاميد ممكاييف
الترجمة: الدكتور أمين شمس الدين

القسم الأول

تمهيـــــــد

لا توجد وللأسف مؤلفات وكتب خاصة عن العشائر الشيشانية ، سوى بعض المقالاتلمؤرخي ما قبل الثورة الاشتراكية وللمؤرخين السوفييت ، والتي تشير إلى قضاياالعشائر . وباعتقادنا تعاني هذه المعطيات من سلبيات جدية أهمها اختفاء تام لموادمعينة ومميزة للنظام الاجتماعي الشيشاني في تلك الفترة . لقد وردت في أعمال هؤلاءالمؤرخين ظواهر ومميزات البناء الفوقي ، أما المسببات الاجتماعية وبكلمة أخرىالدوافع الحقيقية لهذه الظواهر والمميزات فقد بقيت مُبهمة .

وحتى الآن لم تلق مسائل الصراع الطبقي داخل الجماعات العشائرية الشيشانية الشرحالكافـي في مجال أدبي مختص . وبنفس الوقت فإن دراسة هذه المسائل المهمة للغايةستساعدنا على أن نفهم بشكل صحيـح جوانب كثيرة من التطور التاريخي للشعب الشيشاني . ولكي نتطلع إلى الغد بشجاعة ، علينا أن نلتفت إلى الماضي ، وأن نتذكـر بأن كل شيءجديد ينمو في أحشاء القديم . لذا يجب علينا أن ننقل معنا إلى المستقبل عاداتنـاوتقاليدنـا الماضيـة المجيدة ، وكل شهير وبديع حققناه ونحققه في الحاضر . يجب أنيحفظ الشعب تُراث الرجولـة والتضحية ، تُراث الشرف والوطنية العالية – تراث أجدادهالبعاد ذو رموز الملاحم والأساطيـر الحماسية والنصب الثقـافية الماديـة الملموسة ،والتي تتمثل في أماكن الاستيطان القديمة والقرى والمدن الصغيرة ومنشآت العبادةوالمقابر..الخ. حيث أن زيارة الناس إلى مقابر أجدادهم هو قبل كل شيء من أجل التعرفبعمق على تاريخ شعوبهـم وتقـديم الاحترام لموتـاهم وللمقاتلين البواسل وإحياءذكراهم . وبدون هذه "الترسانة" الروحية والمعنوية لا معنى لحياة شعب ؛ لأنه حينتدعو الحاجة لِوِحدة القوى ضد الأعداء والمستغِلين – فالشعب هو الذي يهب دوماسالكاً شعارات وتقاليد تعكس أفضل الأماني والآمال الإنسانية وأكثر المثل إشراقاً . وتدل الشواهد الثابتة للثقافة المادية والفكرية لشعب الوايناخ بأن أصل التنظيمالعشائري الشيشاني يمتد في طيات من ظلمات القرون الغابرة .

نحن لا نلجأ أبدا عن طريق بحث المجتمع العشائري الشيشاني خلال الفتـرة الممتدةما بين القرنيـن الثامـن والسابع عشر إلى باكورة أشكال تنظيمه العشائري . إذ طرأتعلى المجتمعات خلال هذا الزمن ونتيجـة للتأثيرات المتبادلة بين القبائل والشعوب علىبعضها البعض تغيرات واسعة وعميقة جـداً . فالحروب القبليـة والنزاعـات الداخليةأحدثت تغييرات كبيرة في الصلات والعلاقات ما بين العشائر الشيشانية ، وهذا يجعل منالمتعذر إمكانيـة تحديد طبيعة حياتها وتنظيماتها البدائية . لهذا أيضا يبقى الكثيرغامضا ولحد الآن فيما يخص نمط حياة هذا الشعب. ومن الخطأ كذلك الاستناد على هذاومحاولة إثبات أن منشأ الشعب كان محدودا بفترات زمنية تاريخية قصيـرة ، حيث أنالعشائر والتنظيم العشائري هو في نهاية المطاف نتيجة البناء الاجتماعي ذي الأصلوالتطور السابق نوعا ما لتاريخ شعب الوايناخ القديم ؛ هذا التاريخ الخاضع نسبيا فيضوء مؤسساته الاجتماعية إلى إعـادة بنـاء شاملة .

لم يهتم أحد تقريبا وعلى مر عصور كثيرة بشعب الوايناخ ، وإلى سنوات قريبة لميتناول أي من المؤرخين دراسة عميقة لبنائه الاقتصادي وحياته الاجتماعية-السياسيةوالثقافية . ولم يأخذ أحد على عاتقه مهمة إنجاز وثيقة حقيقية لتاريخ هذا الشعب ،الذي يقطن منذ زمن بعيد في الجزء الشرقي من شمال القوقاز . وعلى الرغم من الخطواتالمعروفة والمثمرة في هذا المجال ، يتوجب الاعتراف بأنه حتى ما نُشر عام 1967 "مقتطفات من تاريخ الشيشان-إنجوش " ، ج1 لم ينهض على مستوى لائق بالمهمة الموكولة . فما دفع المؤلِّف من جديد للعودة إلى مسألته الأثيرة – مسألة أصل وتكوين الشعبالشيشاني ؛ إنما هي الرغبة الأكيدة في حمل قسط وافر من العمل الجاد والكشف عن أهمجوانب تاريخ شعبه .

في القرن السابع عشر وحتى القرن الثامن عشر ، احتفظ الشيشان نوعا ما وبصورةواضحة جداً بمزايا وصفات البناء العشائري . وبنفس الوقت نمت وازدهرت عناصر جديدةذات علاقات إقطاعية ثم رأسمالية ، وتراجعت جموع العشائر القديمة أمام هذا التغيرالقاسي إلى الوراء. إلاّ أنها ناضلت بصلابة من أجل وجودها وكيانها . وفي تلك الفترةعانت مختلف العشائر الشيشانية من صراعات اجتماعية حادّة ذات صلة مع التنظيمالإقطاعي للمجتمع الشيشاني .

تجدر الإشارة إلى أن الكفاح العنيد للشعب الشيشاني مع الأرستقراطية الإقطاعية قدمكّن نوعا ما من عرقلة الأطماع الجشعة لهذه الطبقة ، وإتاحة الفرصة للحفاظ بقدركبير على حريته في البناء العشائري وفي الحياة الاجتماعية. لكن هذه المقاومة لمتستطع إطلاقا إدارة عجلة التاريخ إلى الوراء ، وتشكيل مجتمع وفق ما يسمى بـ "البناءالشعبي(العشائري) الثاني" . لا ، فعلى الرغم من أن الإقطاعية والأرستقراطية قدجابهت في هذه المنطقة (أكثر من غيرها من المناطق والشعوب المجاورة) مقاومة عنيفة منقِبل الفلاحين ، إلاّ أن التطور التاريخي للمجتمع الشيشاني سار على طريق توسيعالمُلكية الإقطاعية وتقليص الأراضي الجماعية . ولاقت المقاومة الموجهة ضد هذهالعملية الاجتماعية الشرسة دعما شكلياً من قِبل المبادئ والقواعد العشائرية، التيكانت ولم تزل تحافظ على قوتها وتنظيمها . وعلى الرغم من هذا كله ومع أن كل شيشا نياستطاع بكل فخر واعتزاز أن يُعلِن : سو إوْزْدا نوخْتشو وُو СО ОЬЗДА НОХЧО ВУ أي (أنا شيشا ني حُرّ) ؛ إلا أنه لم يكن حرّاً بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة .

هكذا كان الوضع الفعلي للأشياء ، بغض النظر عن أنه بحكم انعدام أشكال الدولة عندالشيشان . ونظرا لوجود مؤسسة قضائية راسخة نوعا ما للعشيرة ، وكذلك قيام صراع داخلالعشيرة لم يُتح للإقطاعية الأرستقراطية الجديدة من أن تُقوّي وتُثَبت غرسها الطبقيكقانون استثنائي خاص لامتلاك الأراضي والناس . ولا ينبغي اعتبار هذا الظرف كطارئ أومصادفة غير عادية ، ولا كخاصية ينفرد بها تاريخ الشعب الشيشاني .

استنادا إلى مصادر تاريخية وفلكلورية وإلى أعمال التنقيب عن الآثار ، انتهى خلالالقرنين السادس عشر والسابع عشر كون العشيرة الشيشانية ذلك " التنظيم الرائع الذيكان فيه الجميع متساوون ، والذي قام بحل مختلف النزاعات والخصومات بين أفراده عنطريق الجماعة التي كانوا ينتمون إليها أو التي يمسونها مباشرة... أي عن طريقالعشيرة كلها أو المجلس العشائري ، الذي انتخبه الناس بأنفسهم " . وجماعية استخدامالأرض كـانت فقـط عبارة عن تخيل أخلاقي يغطي في الحقيقة وجود الملكية الخاصة (وغالبا الإقطاعية) . يكتب المؤرخ ن . إيفانينكو قائلاً : " وُضع قانون الملكيةلإشغال الأرض بأحقية شاغلها، وتطوَّر في منطقة بلاد الشيشان منذ زمن لا يُذكر . والطبقة التي لم تكن تملك أرضاً في المجتمع لم تكن راضية بتاتا عن الوضع المتميزللطبقة المالكة . وكانت توجه الأسئلة التالية : منذ متى بات اللوم يوجه إلى إشغالالأرض بحرية ، ويسمّى "استيلاءً طوعيا" وينتهك المصالح العامة ؟ وكانت الأجوبة : منذ زمن بعيد ، لا نعرف ، قبل مجيء الإمام شامل .. وهكذا دواليك ".

سارت الإقطاعية في المجتمع الشيشاني ببطء شديد وبشكل غير منظم ؛ انتشرت فيالسهول، نعم، وفي الجبال أيضا حيث عاشت عشائر كبيرة واتحادات عشائر(قبائل). كانت كلالظروف آنذاك مواتية ليصبح زعماء العشائر أغنياء بصورة لا يُستهان بها ، أولئكالذين وصلوا لدرجة التحول إلى إقطاعية النبلاء (الأرستقراطية) ومتجاوزين هذه الحدودبعض الأحيان . وعلى كل حال ، فأغاني الشيشان وأساطيرهم وقصصهم وكذلك الوثائقالتاريخية التي بحوزَتنا ، تحوي الكثير من المعلومات عن الأمراء الأغنياء وعنالعبيد المظلومين ، وعن الشعب البسيط التابع لسلطة ذوي النفوذ الأشداء ؛ إذ يخطئذلك المؤرخ ، الذي يحاول مستندا إلى تلك الظروف إقناعنا بأنه لم تكن هناك في القرنالتاسع عشر عند الشيشان أرستقراطية إقطاعية قضائية التكوين . يخطئ أولئك الذينيحاولون إثبات أن عشائر الشعب الشيشاني كانت في تلك الفترة من الزمن " جمهورياتديموقراطية حُرّالقسم الثالث

القسم الثاني

الأسرة الشيشانية

          (دوْيْزال ) ДОЬЗАЛ

تطورت فكرة العائلة، أو الأسرة، لدى كل شعوب العالمتقريبا مرورا بمراحل متتالية، علما بأن الزواج الأحادي (زواج امرأة برجل واحد) MONOGAMY كان الشكل النهائي لهذه السلسلة. ومن الممكن أيضا بأنه وجد لدى الشيشان فيالأزمنة التاريخية البعيدة شكلا آخر للعائلة، إلا أنه يوجد لديهم منذ بداية التاريخخاصية الزواج الأحادي (عدم تعدد الزوجات أو الأزواج). وتتميز بهذه الخاصية الأسرالتي نشأت في عصر التمدن، وقامت على أساس سيادة الزوج بهدف واضح ومعين هو إنجابأبناء ذوي منشأ أبوي محدد. وتجدر الإشارة هنا بأن مثل هذا الزواج الأحادي طبق علىالمرأة فقط وغدا أمرا متفق عليه بالنسبة لها. أما الرجل فقد احتفظ بالحق المطلق فيالزواج - حق غير مشروع في تعدد الزوجات. يقول ف. أنجلس بهذا الخصوص : " نشأ الزواجالأحادي (المونوجا مي) نتيجة لانحصار وتركز الأموال الكبيرة في أيدي بعض الناس،وخصوصا في أيدي الرجال لكي يتم تناقلها عن طريق الوراثة دون التباس وبشكل معلوم. لذلك كان من الضروري تطبيق شكل وحدة الزواج - الزواج الأحادي - على المرأة وليس علىالرجل. ولم يعق هذا النظام إطلاقا تعدد الزوجات بالنسبة للرجل ".
إن أي شيشا نيارتبط مع زوجته من أجل الحياة المشتركة باتباع المراسيم وحسب الأعراف والشعائرالمدنية والدينية ، أنشأ عائلته المكونة من الأبناء والبنات والأحفاد أي- الأسرةبالمعنى التام لهذه الكلمة. وكان الأب رأس العائلة هو المقتدر فقط على التصرفبأملاك العائلة. أما أبناء البنات فقد كانوا يُعدون من عائلة أخرى- من عائلاتأزواجهن. وعلى هذا النحو أصبحت المرأة بعد زواجها عضواً في جماعة الزوج، ولكنهابقيت عضواً في عشيرتها كما في السابق. واستمرت بشكل خاص تحمل اسم عشيرتها.
وهكذا فأعضاء العشيرة المعنية تألفوا من اتحاد أقارب ذوي منشئ أبوي فقط (أي عنطريق الأب). واستثني من أعضاء هذه المجموعة جميع الزوجات اللواتي ارتبطن برباطالزوجية، وأتين من عشيرة أخرى. وبذلك تكونت العائلة من ثلاثة أو أربعة أجيال، بلغتعداد أفرادها كقاعدة عامة العشرات من ذوي أعمار وتخصصات مختلفة. واتحد هؤلاء معافي ملكية اقتصادية -جماعية عامة. خضعت هذه العائلة لإشراف وقيادة مطلقة من قبلرئيسها رب العائلة (الأب).
كان ماضي هذه العائلات والأسر هو المسيطر على حاضرها،وكل جديد وقع تحت حكم القديم. وسيطر الرأي المحافظ على الرأي التقدمي والحديث. وكانت سلطة رب الأسرة في ذلك الزمن سلطة قضائية وغير محدودة، إلا أنها خضعت فيالواقع للعادات والتقاليد ولتجارب وخبرات الأجيال السابقة، وأحاط بها إطار منالبرامج التنظيمية التي سيرت العائلة كما كانت تسير حياة الناس في العصور الماضية.
قامت العائلة البطريركية هذه (PATERNAL FAMILY ) بحراثة الأرض، وجمع المحصول،ورعي الحيوانات، بشكل جماعي وعبر الأجيال، إضافة إلى ممارسة الصيد وتبادل التجارةمع جاراتها، كما أنها تقاسمت الأفراح والأتراح تحت سقف واحد.
خضعت الأسرة وبشكلمطلق لسلطة كبار السن، وعمل قانون العادات المجردة والمبرمج سلفا، على تحديد سلوكونشاط كل عضو من أعضاء الأسرة. وكان كل فرد في الأسرة يخضع ويعمل وفق ما تفرضه تلكالبرامج الموضوعة بشكل صارم. ومثل هذه العائلات والأسر هي التي شكلت الأساس للمجتمعالشيشاني. وقد أكد المؤرخ كوسفين على ذلك معتمدا في أبحاثه على دراسة مواد متنوعة،وصل نتيجتها إلى أن الباترونيميا (PATRONOMIC) - تعتبر واحدة من أهم الخلاياالأساسية للمجتمع الشيشاني في عصر تشييد الأبراج والقلاع القديمة. و الباترونيميا،وهي دليل النسَب - عبارة عن مجموعة صغيرة من ألأُسَر، تتكون من أفراد يشكلون قرابةبالنسب. كما يؤكد نفس المؤرِّخ، بأن عبارة أو مصطلح "تايْبْ" وتعني عشيرة باللغةالشيشانية، يُستخدم بشكل خاص عند الشيشان والإنجوش للدلالة على الباترونيميا. وهو،أي كوسفين، يتطرق إلى ذلك بتحليل معاني مختلفة لباترونيميا الشعـوب القوقازية(1). أما المعتقدات الشيشانية فلا تتصور العشيرة (تايب) كمجموعة قليلة من الناس إطلاقاً. ولهذا لا نعتقد بأن كلمة عشيرة يمكن تداولها للدلالة على الباترونيميا - أي مجموعةصغيرة من الناس (أُسَر) ذات أفراد هم أقرباء بالنسَب.
تكونت العشيرة الشيشانيةفي القرن السابع عشر، من مجموعات من الأجيال - أفرع أو جار(تلفظ بالجيم المصرية). وعلى غرار العشيرة (تايب)، كانت هذه الأجيال (الأفرع أو الجار) تسمي نفسها باسمجدها الحقيقي، وانقسم أفرادها بدورهم إلى فئات أصغر هي كما نسميها باللغة الشيشانية : نيقي - تسا - دوْيْزالْ ( أي الفخذ والعائلة والأُسرة على الترتيب). وهكذا فأقربتعبير للباترونيميا هو جارGAR (ГАР)، ويأتي في المرتبة الثانية بعد العشيرة - ويعنيجماعات صغيرة من الأسر تربطها قرابة النسب وعن طريق الأب (أنظر ملحق 1- ب ).
كان هدف الشيشاني في حياته هو امتلاك مسكن خاص به، وإنجاب نسل سليم وقوي، وانيزدهر اقتصاده العادي. ولم يُعتبر الموت عند الشيشان شرّاً، لأنه شيء لا مفر منه،وهو من الإله العلي نفسه ( ديْلا ДЕЛА- هكذا يسمي الشيشان الله سبحانه وتعالى، أوالخالق ) .
إن الخطر أو التهديد الخارجي، كتعرض الأسرة أو العائلة لإبادةجماعية، اعتُبر كارثة مروّعة لكل المجتمع. ومهّد هذا الاعتبار الطريق لتبني الناسالغرباء في الأُسَر، والذين انتموا في الحال إلى بقية أفراد العشيرة، وتمتعوا بنفسالحقوق والواجبات.
الزوج، هو فقط من كان باستطاعته ترؤّس الأسرة، مع أن الزوجةوبحكم اقتنائها للأملاك لم تكن بأقل قدرة وحرية بشكل عام. والابنة ورثت حصة مساويةلحصة الأخ. وحصة الأم كانت مساوية لحصص الأطفال. وينبغي هنا عدم الالتباس بينالعلاقات الحقوقية التي كانت قائمة في السابق مع تلك التي أدخلها الإسلام فيالبلاد، والناشئة عن حقوقه المدنية والدينية التي تراعي عند تقسيم الإرث إعطاء حصةكاملة للابن مقابل نصف حصة للابنة والثمن للزوجة. وفي ظروف البناء العشائري فقدتالمرأة المتزوجة بعضا من حقوقها (AGNOSTICISM). وأرجح الظن أن هذه الحالة استهدفتعرقلة مرور الأملاك عن طريق الزواج من عشيرة إلى أخرى، وبالتحديد من العشيرةالأصلية للزوجة إلى عشيرة زوجها.
كما سبق وأن نوهنا إليه كان انتماء المرأة أوالزوجة إلى رب الأسرة وليس إلى المجتمع. وكان الانتماء داخل الأسرة كالتالي: الابنةللأب، الزوجة للزوج، المرأة غير المتزوجة واليتيمة إلى أقـرب شخص لها عن طريق الأب. وجميعهم انتموا إلى رب الأسرة. وأحيانا كان يحصل في المجتمع الشيشاني أنْ تتممقايضة النساء سلعا ضمن صفقات متبادلة، وكن يُخطفن من بيوت أهلهن ويؤخذن أسرى أوغنائم حرب.
وهكذا وعلى فترات نشأت أشكال جديدة للزواج مثل الخطف، أو الشراء، أوبطريقة الاتفاق. واحتفظ بهذه الأشكال الثلاثة القديمة للزواج بعض الشيء في حياةالشيشان العادية إلى زمن ليس ببعيد. إنما فقط في أيامنا هذه، وبسبب تغير جذري طرأعلى علاقات الزواج الأسرية، اتخذت أشكال الزواج أساليب أخرى.
أما داخلالمنزلفقد كانت الزوجة ربة بيت كاملة السلطة. إذ تحررت من الأعمال الصعبة والخطرة، وكرستنفسها كليا للأُسرة، ولتربية الأطفال، والنسج، والخياطة. وكانت لقاطة النسيج وإبرةالخياطة بالنسبة لها تماماً كالفأس والمحراث بالنسبة للرجل. وكتب ف. أنجلس بهذاالخصوص قائلاً:- " إن واحدا من أسخف الآراء التي ورثناها عن عصر التنوير(النهضة) فيالقرن الثامن عشر، هو الرأي القائل بأن المرأة كانت في بداية تطور المجتمع أقرب إلىأمَة للزوج. وبالنسبة للشعوب التي توجب على نسائها العمل بجهد أكبر من المفروضعليهن، حسب تصوراتنا أبدت هذه الشعوب للمرأة من الاحترام الحقيقي، أكثر بكثير مماتقدمه شعوبنا الأوروبية " (2).

--------------------------------------------------------------
(1)
كوسفين م. /اتنوغرافيا وتاريخ القوقاز ، دراسات ومواد ، ص38 ، موسكو ، 1961
(2)
ماركس ك. ، أنجلس ف./ مؤلفات مختارة ،مجلد 3 ، ص249-250 ، موسكو ، 1957

ومنالمناسب أن نتذكر هنا أيضاً كلمات الكاتب الجو رجي البارز في القرن التاسع عشر،أ.كازْبيجيКАЗБЕГИ А. ، الذي عرف عادات وطباع الشيشان بشكل جيد، حين قال :- " المرأة الشيشانية من أكثر النساء حرية، ولهذا فهي أكثرهن أمانة وإخلاصا. مع أن لهاحق الاختلاط بحرية مع الرجال " (1).
كان تماسك الأسرة الشيشانية قويا، وراسخاً،لدرجة أنه لم يطرأ عليها أي تفرق أو انشقاق عند موت رئيسها. وحيث لم يسمح للمرأةحسب عادات الشيشان القديمة تولي شؤون الأسرة أو العائلة وإدارة أمورها. لذا أنيطبالإشراف والوصاية والعناية على أسرة المتوفّى وعلى الزوجة إلى أقاربه. واستطاعتالزوجة دائما وكحق مألوف لدى الشيشانيات الابتعاد عن زوجها، مسوية بذلك معهعلاقاتها المادية المتبادلة. إلا أنها كانت تُوفي الغرم (ЯШАЦАЛЛА ). عند ذلك إذاكانت مغادرتها لبيت زوجها تعني الاستخفاف به والنيل من قدره، وفي هذه الحالة تسترجعإليها ممتلكاتها. ومن جهة أخرى كان الزوج أيضا يدفع الصداق (ЯШАЦАЛЛА ) إن هو طلّقزوجته دون عذر مقبول.
وفي سياق الحديث عن نظام الأمومة MATRIARCH أو سلطة الأم،فنحن لا نعرف تفاصيل نشوء هذا النظام لدى الأجداد البعاد لشعب الوايناخ، الذي شغلتبموجبه المرأة دَور رئيس العائلة، وهل وجد هذا النظام عموما لديهم أم لا ؟ لكنتحليل واستبيان بعض المعطيات يخبرنا كثيرا من الأشياء. فالشيشان يقولون حتى فيأيامنا هذه تسين نانا ЦІИН НАНА ، أي ربة أو أم النـار، (وتْسِيْهْ بالشيشانية تعنيالنار) ، ولكنهم ما قالـوا ولا يقـولون تسين دا (رب أو أب النار). ومع تطور المجتمعوظهور المساكن والبيوت ظهرت اصطلاحـات أخرى مثل :- تْسا (بيت)، ومنه تسِينْ نانا،أي ربة البيت، وتسِينْ دا ЦІИН ДА، أي رب البيت. وهذه الميزة التي لا تكاد تُذكرتبين لنا، أنه في وقت ما كانت الهيمنة في المجتمع الشيشاني للنسـاء. وبناءا عليه منالضروري جداً الإشارة إلى الحكم الدقيق التالي: إذا قُتلت المرأة وجب على القاتلدفع غرامة والتعويض عن ذلك بمَنزلين. وإذا أُهينت تضاعفت الغرامة. ويجدر القول بأنالمواطنة الصالحة الحكيمة والتي كانت تحظى بالاحترام العميق في المجتمع الشيشاني،وكذلك المقاتل الشجاع، كانا ولا يزالان يُذكران باحترام في الحكايات والأساطير وفيالأغاني الشعرية والمحفوظة دوما في ذاكرة الشعب.. نشاهد فيها تلك الفتاة الأنوف،صاحبة العزم، التي استطاعت احترام نفسها وصون ذاتها في كل الظروف، وإرغام الآخرينعلى احترامها.
وكقاعدة عامة كان الزواج عند الشيشان يتم بعد تعارف تمهيدي بينالشاب والفتاة في مناسبات عامة كـ بِلْخي БЕЛХИЙ (2)، وفي الأعراس والحفلات. أوبالاتفاق بين الطرفين على لقاء خاص، يجري عادة في منزل أحد أقارب الفتاة. ولم يعرفالشيشان عملية الخِطبة. إنما وُجدت لديهم عادة الخطف، أو كما يسميها البعض الخطيفة. والخطيفة كانت تحدث في الغالب بموافقة الفتاة نفسها. وأحيانا كان يتم الخطف رغماعنها، إلا أنه اعتبر هذا قسوة وإجحاف كبيرين وتعَد صارخ على حرية الفتاة من قِبلشخص لا تعرفه، ولا تريد الزواج منه. أما في أعمالها المنزلية فتمتعت المرأة بسيادةتامة، والزوج لم يملك الحق بتاتا في التدخل في شؤون الزوجة البيتية. وتجدر الإشارةبأن وضع المرأة في الأسرة الشيشانية قد تغير مع اعتناق الشيشان للدينالإسلامي.
كان على الشيشاني أن يراعي بحزم الواجبات السلوكية والأدبية تجاهأطفاله، وعكس ذلك تعرض الأب لإدانة عامة وجلب العار على أسرته. أما الابن البالغفقد استطاع تنظيم أسرته واقتصاده الذاتي، أو كما يقول الشيشان-استطاع أن ينفردبنفسه وأحواله (بيه-والاّ) ВАЛЛА - БЕ (BE-WALLA). إلا أن الأب هو الذي أدار ووجهأسرته وأبناءه كما رآه مناسبا. وما دام الأب على قيد الحياة فلم يكن للابن حقالتصرف بالأملاك ولا بأفراد العائلة دون معرفة وإذن الأب.
وعلى هذا النحو أعطىقانون حق الملكية للأب والزوج سلطة لا محدودة داخل الأسرة أو العائلة الشيشانية. وبناءا على ذلك غدت الأسرة " صورة مصغرة للتناقضات الاجتماعية، التي نمت فيما بعدنموا سريعا داخل المجتمع والدولة " (3).
وخلال السنوات المائة الأخيرة بدأت هذهالأسْرة البطريركية في البلاد الشيشانية بالتحلل والتفكك ببطء، حتى جاءت ثورة عام 1917، وفجرتها منجذورها.

--------------------------------------------------------------
(1)
كازبيجي / جريمة ، دار الفجر للنشر ، تفليس ، ص128 ، 1957
(2)
بلْخِي : عبارة عنأوقات عمل تطوعي، يساعد فيه الناس بعضهم البعض، وهي من العادات التي لا تزال متبعةحتى الآن عند شيشان القوقاز (المترجم)
(3)
أرشيف ماركس وانجلس ، ج9 ص31 ، دارالطباعة السياسية الحكومية ، موسكو ، 1941

القسم الثالث

العشيرة الشيشانية

( تايْبْ)  ТАЙП


تدل مختلف المصادر والموارد التي كانت قيد الدراسة ، أنهقد تشكلت في بلاد الشيشان خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر تسع قبائل (أنظرملحق رقم 1أ)، وهي حسب الترتيب الأبجدي الشيشاني لها وباللغتين الشيشانيةوالإنجليزية : -
أقّي АЬККХИЙ    AEQKHI
مالْخي МАЬЛХИЙ    MAELKHI
نوْخْتشْماخْكَخوْي НОХЧМАХКАХОЙ    NOKHCH MAKHKAKHOI
طِيْرْلوْي ТІЕРЛОЙ   TERLOI
تشانْتِي ЧАЬНТИЙ   TCHAENTI
تْشيْبارْلوي ЧІЕБАРЛОЙ   TCHEBARLOI
شاروي ШАРОЙ   SHAROI
شُوْتُوي ШУОТОЙ   SHOTOI
إيْرْشْتْخُوْي ЭРШТХОЙ   ERSHTKHOI

والقبيلة الشيشانية ( تُوْقُوْمْ بالشيشانية) ТУКХУМ (TOQOM) – هي عبارة عناتحاد اقتصادي وحربي لعشائر محددة ، لا يرتبط أعضاؤها فيما بينهم بصلة القرابةبالنسب، بل بين هذه العشائر رابطة أعلى درجة، تهدف المشاركة والاتحاد من أجل حلالمسائل العامة وفي مقدمتها مسائل الدفاع ضد الخطر الخارجي ومسائل التعاملالاقتصادي .
شغلت القبيلة أراض معينة من المناطق التي كانت تسكن وتعيش فيهاعشائرها الفعلية بالإضافة إلى مناطق مجاورة تقطنها العشائر التي دخلت ضمن نفسالقبيلة . وجميع هؤلاء مارسوا الصيد وتربية الماشية والفلاحة . واختلفت اللهجاتنوعا ما من قبيلة لأخرى . فمثلاً يلفظ التشيبَرْلوي الكلمات التالية كالآتي : أَساآلُو АСА АЛУ (أنا أقول) ، أسا مَلُو АСА МАЛУ (أنا أشرب) ، أَسا دَؤُ АСА ДАУ (أناآكل) . بينما نرى الأقّي يلفظونها بقليل من التغيير وعلى الشكل التالي : أس أُوْلُو АС ОЛУ - أس مُوْلُو АС МОЛУ - أس دُوْؤُ АС ДУУ على التوالي .
وإذا تناولناالعشيرة والقبيلة من خلال ديناميكيتهما التاريخية ، فإننا لا نلاحظ فرقا بينهما سوىفي العدد أو الكمية . فالعشيرة شأن القبيلة استطاعت وفي تسلسل معين إنجاز مهامهاومهام جميع الأفرع المنبثقة عنها بشكل تام .
يكتب حجي مراد خشاييف قائلاً :- " تبين لنا من الوثائق التي درسناها ، أنه استطاع الانضمام إلى القبيلة الداغستانيةليس الأقارب فحسب ، وإنما أيضا أشخاص من قبيلة أخرى . كما يتبين لنا بأن القبيلة فيالقرن التاسع عشر لم تعرف لا المجتمع الإنتاجي ولا المجتمع الاستهلاكي " . وطورالمؤرخ خشاييف فكرته السابقة يقول : " أن القبائل ربما أخَذت أسماءها من أسماءالمناطق التي تقطنها. وأنه لم تقم بين أفرادها أية مساواة أو عدالة اقتصادية أوسياسية " .
تنبغي الإشارة إلى أن قانون الأخذ بالثأر كان إجراءا إلزاميا داخلالقبيلة الشيشانية، حيث كان يجب أن يعاقب بصرامة (بالقتل) كل قاتل من أي عشيرة كانت . فلم تجر آنذاك إجراءات الصلح أو المسامحة . كما ولم يمنع الزواج بين أفرادالقبيلة الشيشانية نظرا لانعدام القرابة بالنسب (بالدم) بين أفراد القبيلة . وعلىغرار العشيرة فالقبيلة لم تخضع لرئاسة زعيم . حتى أنه لم يكن لها قائد حربي . ومنهنا نلاحظ بأن القبيلة لم تكن تلك الهيئة الإدارية أو القيادية ، بقدر ما كانتمنظومة اجتماعية . وأن العشيرة كانت فعلا مرحلة ضرورية ومعقولة للتقدم نحو تطويرفكرة القيادة والإدارة .
إن ظهور اتحاد العشائر (القبيلة) لا شك لعب دوراًتقدميا في عملية نشوء الأُمّة ، مع أن الميل إلى التقسيم المحلي (الموضعي) إلىعشائر استمر على حاله .
كان مجلس الشيوخ هو الهيئة الاستشارية للقبيلة . وتألفهذا المجلس من ممثلين عن جميع العشائر الداخلة ضمن القبيلة المعنية ، والذين تمتعوابحقوق متساوية من حيث الوضع والاحترام. وكان المجلس العشائري يجتمع في أوقاتالضرورة لمعالجة المسائل العشائرية والآراء المتباينة والمناقشات العامة وذلك منأجل حماية مصالح كل عشيرة ومصلحة القبيلة إجمالاً .
جاء بعد المجلس العشائريمجلس البلاد МЕХКАН КХЕЛ ( المجلس العام) . شارك هذا المجلس في عمله إلى جانب نبلاءالعشيرة رجال الدين أو الكهنة . وبهذا الخصوص يذكرنا المؤرخ ف. فينوغرادوف قائلاً : " ليس من الصدفة تزيين وزركشة الأماكن التي كانت تَعقد فيها المجالس اجتماعاتهابرموز وشعارات دينية " (1). وأن قمة جبل قخيتاش-كُوْرْتْ КХЕТАШ КОРТА في منطقةإتْشْكِيرْيا (الجبلية) يعتبر واحدا من أكثر الأماكن المؤثرة , الذي كان المجلسالعام يعقد فيها اجتماعاته. وهذا الجبل المقدس يقع قرب بلدة تسوْنْتَروي أوتسِيْنْتَروي الكبيرة، التي انعكست من تسميتها بالذات الثقافة الدينية وشعائرهاالقديمة لتقديس وتبجيل النار (تْسِيهْ)*. نوقشت في المجلس العام الأوضاع الخاصةوعادات وتقاليد مختلف المناطق ، واعتمادا على جدواها الاقتصادية والحقوقية تمالمصادقة عليها كسلطة ونظام لعامة الشعب و تعميمها في الحال . ومن سلطات مجلسالشيوخ إعلان الحرب وعقد معاهدات السلام وإجراء مختلف المحادثات عن طريق المبعوثينالمحليين والأجانب ؛ إضافة إلى عقد تحالفات وفسخها.
ينبغي الجزم من كل ما سبقبأن مفهوم كل من القبيلة والعشيرة ( في الحالة قيد الدراسة ) بعيد عن التماثل أوالتطابق . ونورد هنا ما نوّه به الشيخ إيْغِيشْ من عشيرة بْحِافْلوي ПХЬАЬВЛОЙ،والذي تجاوز التسعين بأربعة أعوام من عمره حيث قال : -" يوجد بين الاصطلاحين فارقانرئيسيان؛ إذ تعبر العشيرة عن التماسك والتضامن مستندة بذلك إلى جدّ واحد ، حتى ولوكان هذا الجد أسطوريا (خرافيا) كما أنها تستند إلى وحدة القرابة الجوهرية (بالدم) بين أفرادها . بينما تستند القبيلة إلى تماسكها الإقليمي ولهجتها اللغوية " (2) . وبناءا على ذلك فالقبيلة - ليس اتحاد أقارب بالنسَب بقدر ما هي أخوّة وتضامن وتكوينطبيعي نشأ من التنظيم العشائري . وبذلك فهي أي القبيلة عبارة عن رابطة أو مجموعةتتألف من عدة عشائر تكاثفت ضمن اتحاد قبلي واحد من أجل تحقيق أهداف معينة.
ومنجهة أخرى توجد في بلاد الشيشان اتحادات عشائرية قريبة على بعضها بالنسَب ، تشكلتإثر انقسام إحدى العشائر الأولية . ومن الأمثلة عليها قبيلتا تشانْتي و طِيْرْلوي . ومن المجموعات القريبة وراثيا والتي تسمي نفسها جارْ ГАР (بالجيم المصرية) أي البطنوالتي دخلت ضمن قبيلة طيرلوي: بِوشْني BOESHNI БОЬШНИЙ ، بْعَافْلوي БІАВЛОЙ BAHVLOI ، نِيكاروي НИКІАРОЙ NIKAROI ، أوْشْني ОЬШНИЙ OESHNI ، سانَخُوْي САНАХОЙ SANAKHOI، شِيوْنْدي ШУЬНДИЙ SHOENDI ، إيْلْتْبْحارْخوي ЭЛТПХЬАХОЙ ELTP'HARKHOI .. وغيرها.
يتكون المجتمع الشيشاني من أكثر من 135 عشيرة ، اتحدت معظمها فيمنتصف القرن التاسع عشر في تسع اتحادات عشائرية (قبائل )، على النحو التاليباللغتين الشيشانية والإنجليزية :

أولا : قبيلة أقّي АЬККХИЙ (AQKHI) - وتتكون من العشائر الآتية :-
  1. بارْتشَاخُوْي BARTCHAKHOI    БАРЧАХОЙ   
  2. بْحارْتشاخوْي   P'HARTCHAKHO    ПХЬАРЧАХОЙ
  3.بْحارْتشوْي ПХЬАРЧОЙ    P'HARTCHO   
  4. جيفي ЖИВОЙ   JIVOI   
  5. زْعُوْجُوْي ЗІОГОЙ   Z'HOGOI   
  6. نوقي НОККХОЙ   NOQKHOI   
  7. وِيْبِّي ВАЬППИЙ   WEPPI   
وتقطن هذه العشائر في الغالب المنطقة الشرقية منبلاد الشيشان بالقرب من حدود الداغستان .
--------------------------------------------------------------
*-
كلمةتسِـيْهْ تعني بالشيشانية النار وتسـيْنْ تعني النظيف . وقد اشتق اسم العشيرةوالبلدة منها كمكان نظيف تقام فيه العبادة –عبادة النار آنذاك .
(1)
ف.فينوغرادوف / ليست الآلهة أبدية ، إنما الأبدي هو الإنسان .دار الطباعة والنشرلجمهورية الشيشان – إنجوش ، غْروزْني، 1969 (المترجم)
(2)
المعهد الشيشانيللأبحاث العلمية في التاريخ واللغة والأدب ، رقم 272 ، 1933


ثانيا : قبيلةمالْخي МАЬЛХИЙ    (MA'LKHI) – وتتكون من العشائر الآتية :-
   بْعاسْتي  БІАСТИЙ    B'AASTI
   بْعِيْناسْتْخُوي  БІЕНАСТХОЙ    B'ENASTKHOI
   إتالْتشْخُوْي  ИТАЛЧХОЙ    ITALTCHKHOI
   كَمالْخُوْي КАМАЛХОЙ    KAMALKHOI  
   قْخُوْراتْخوْي КХОРАТХОЙ   QKHORATKHOI  
   مِيْشِي МИШИЙ    MISHI  
   سَكَنْخُوْي САКАНХОЙ    SAKANKHOI  
   طِيْراتْخوْي ТІЕРАТХОЙ    T'ERATKHOI  
   تشارْخُوْي ЧАРХОЙ   TCHARKHOI  
   أيْرْخُوْي ИРХОЙ    IRKHOI  
   عامْخُوْي ІАМХОЙ   A'MKHOI  
   كِيْجانْخُوْي)   الجيم مصرية КІЕГАНХОЙ   K'EGANKHOI (
وتقطن هذه العشائر في الغالب جنوب غرب بلادالشيشان قرب حدود الشيشان مع خِفْسوريتْبا (في جو رجيا) والإنجوش.

ثالثا : قبيلة نُوْخْتشْ مَخْكَخُوْي НОХЧМАХКАХОЙ (NOKHTCH_MAKHKAKHOI)وتتكون من اتحادالعشائر التالية :-
   أيتكالّوي (1) АЙТКХАЛЛОЙ AITKALLOI
   بِيْلْغَتُوْي БЕЛГІАТОЙ BELGHATOI
   بينوي БЕНОЙ BENOI
   بِيْلْتُوْي БИЛТОЙ BILTOI
   جِيْنْدَرجِينُوْي (أحرف الجيم مصرية) ГЕНДАРГЕНОЙ GENDARGENOI
   غُوْرْدَلُوْي ГІОРДАЛОЙ GHORDALOI
   جُونُوْي (الجيم مصرية) ГУНОЙ GOONOI
   زانْدَقُوْي ЗАНДАКЪОЙ ZANDAQOI
   إيهِيرْخُوْي ИХІИРХОЙ IHIRKHOI
   إيشْخُوْي ИШХОЙ ISHKHOI
   كُوْرْشالُوْي КУРШАЛОЙ KOURSHALOI
   سِيسانْخُوْي СЕСАНХОЙ SESANKHOI
   تْشِيرْمُوْي ЧЕРМОЙ TCHERMOI
   تْسُوْنْتَرُوْي ЦОНТАРОЙ TZONTAROI
   تْشارْتُوْي ЧАРТОЙ TCHARTOI
   إيْغَشْبَتُوْي ЭГІАШБАТОЙ EGHASHBATOI
   إيْناقخالُّوْي ЭНАКХАЛЛОЙ ENAQKHALLOI
   إيْنْجانُوْي (الجيم مصرية) ЭНГАНОЙ ENGANOI
   يالْخُوْي ЯЛХОЙ YALKHOI
   عَلِيرُوْي (عَلَرُوْي) ІАЛИРОЙ ALEROI
   دِيْشْني* ДЫШНИЙ DISHNI
   إيْرْسانُوْي* ЭРСАНОЙ ERSANOI
..
وغيرها
وتقطن هذه العشائر فيالغالب المناطق الشرقية وشمال الشرقية وجزء من المناطق الوسطى لبلاد الشيشان .
*
أحمد سليمانوف / أماكن استيطان الشيشان- إنجوش ، ج2 ، ص216 ، 19 (المترجم)
(1)
الأستاذ شمس الدين عبد الرزاق

رابعا : قبيلة تشيْبارْلُوْي ЧІЕБАРЛОЙ   (TCHEBARLOI) – وتكونت من اتحاد العشائر الآتية :-
   دْعَاي ДІАЙ    D'AI
   مَكَجُوْي МКАЖОЙ    MAKAJOI
   سَادُوْي САДОЙ    SADOI
   سَنْدَخُوْي САНДАХОЙ    SANDAKHOI
   سِيْقُّوْي СЕККХОЙ    SEKQOI
   سيْرْخُوْي СИРХОЙ    SIRKHOI
   زْيوْرَخُوْي* ЗЮРАХОЙ    ZYOURAKHOI
وتسكن هذه العشائر في الغالب المناطقالجنوبية الشرقية على ضفاف نهر شارا - أرغون في بلاد الشيشان .

خامسا : قبيلة شارُوْي SHAROI - وتتكون من العشائر الآتية :-
   كِيْنَخُوْي КИНХОЙ    KINKHOI  
   رِيْجَخُوْي  РИГАХОЙ    RIGAKHOI
   خِيْخُوْي ХИХОЙ    KHIKHOI  
   خُوْي * ХОЙ    KHOI
   حَكْمَدُوْي ХЬАКМАДОЙ    HAKMADOI  
   شِيْقَرُوْي ШИКЪАРОЙ    SHIQAROI  
وتسكن هذه العشائر في المناطق الجنوبية الشرقية على ضفاف نهر شارا – أرغون فيبلاد الشيشان .

سادسا : قبيلة شُوْتُوْي ШУОТОЙ   (SHOTOI) - وتضم هذه القبيلةالعشائر الآتية:-
   وَرَنْدُوْي WARANDOI ВАРАНДОЙ
   وَشَنْدَرُوْي ВАШАНДАРОЙ WASHANDAROI
   غاتُّوْي (غاتِّي*) (ГІАТТИЙ) ГІАТТОЙ GHATTOI
   كِيْلُوْي КЕЛОЙ KELOI
   مارْشُوْي (مارْشَلُوْي*) (МАРШАЛОЙ) МАРШОЙ MARSHOI
   نِيْجَلُوْي НИЖАЛОЙ NIGALO
   نِيْخَلُوْي(تشِينْخُوْي**) НИХАЛОЙ NIKHALOI
   بْحامْتُوْي ПХЬАМТОЙ PA'HMTOI
   سَتُّوْي САЬТТОЙ SATTOI
   حَكُّوْي ХЬАККОЙ HAKKOI
   حَلْغُوْي-سانُوْي-تُوْمْسُوْي-بورْزْخُوْي*** ХЬАЛГІОЙ , САНОЙ , ТУМСОЙ ,  (БОРЗХОЙ     
وتقطن هذه العشائر في المناطق الوسطى لبلاد الشيشان على ضفاف نهرتشانتي- أرغوْنْ .

سابعا : قبيلة إيْرْشْتْخُوْي (إيرسْتْخوي) ЭРШТХОЙ   (ERSHTKHOI) - وتتكون من العشائر الآتية:-
   جالُوْي   (الجيم مصرية ГАЛОЙ    GALOI (
   غَنْدَلُوْي ГІАНДАЛОЙ   GHANDALOI   
   غَرْتشُوْي ГІАРЧОЙ   GHARTCHOI   
   مِيْرْجُوْي МЕРЖОЙ    MERJO  
   مُوْجَخُوْي  МУЖАХОЙ    MOUJAKHOI
   تسِيْتشُوْي  ЦІЕЧОЙ    TSE-TCHOI
--------------------------------------------------------------
*-
حسبمعطيات أحمد سليمانوف تنتمي هاتان العشيرتان إلى قبيلة تشيبارْلُوي ( المترجم)
**-
كما جاء لدى أحمد سليمانوف (المترجم)
***-
أحمد سليمانوف / أماكن استيطان الشيشان-إنجوش ، ج2 ، ص163 ، 19 ، ( المترجم)
وقطنت تلك العشائرالمنطقة الغربية لبلاد الشيشان على ضفاف نهر مارْتان الأسفل (فوْرْتانْجي) . وبقيةعشائر هذه المنطقة اتحدت في روابط قريبة بالنسب لتكون قبيلتي تشانْتِي و طيْرْلُوْي .

ثامنا قبيلة تْشَانْتِي ЧІАНТИЙ    (TCHANTI) – ومنها العشائر الآتية :-
   بُوْرْزي (بورزوي) БОРЗОЙ    BORZOI   
   بُوغَرُوْي БУГІАРОЙ    BOOGHAROI   
   خِيْلْدِيْحَرْخُوْي ОЙ ХИЛДЕХЬАРХ    KHILDEHARKHOI   
   قخُوْقخادُوْي КХОКХАДОЙ    QKHOQKHADOI   
   حَتْشارُوْي *HATCHAROI    ХЬАЧАРОЙ   
   تُوْمْسُوْي ТУМСОЙ    TOOMSOI   
   دْوْيْرَخُوْي DOERAKHOI    ДОЬРАХОЙ   
   زُوْمْسُوْي  ** ZOOMSO    ЗУМСОЙ
وتقطنهذه العشائر في أعلي نهر تشانتي - أرْغُون

تاسعا : قبيلة طِيْرْلُوْي ТІЕРЛОЙ (TERLOI) – ومن عشائرها :-
   نِيْقَرُوْي НИКЪАРОЙ   NIQAROI  
   إوْشْني ОЬШНИ & nbsp;  
   شُيوْنْدي SHUENDI   ШУЬНДИЙ  
   إيْلْتْ بحارْخُوْي ЭЛТПХЬАРХОЙ   ELTPARKHOI ... وأخرى غيرها .

*
حسب معطيات أحمد سليمانوف هذهالعشيرة مستقلة ولم تدخل ضمن قبيلة (المترجم)
**
أحمد سليمانوف

كما ذكرنا أعلاه فأمور القبيلة كمؤسسة كانت تحل عن طريق مجلس كبار السن ،الذي كان يعقد كلما كان ضرورياً، حسب ما كانت تراه القبيلة . إلا أن القبيلة لم تكنلها أية وظيفة قيادية فيما يخص العشيرة رغم كونها (القبيلة) قائمة ضمن التنظيمالاجتماعي ككل ؛ وتتمتع بصلاحيات محدّدة مفيدة أكثر مما تتمتع بها العشيرة ،تُستخدم عند الضرورة لحل مشاكل قد تطرأ عند أي تنظيم داخل المجتمع .
وهكذا كانتالعشائر تتحد معا في قبيلة عند اللزوم ، خصوصا عند حل المشاكل والنزاعات المختلفةسلمياً ، والوقوف معا في قضايا الدفاع عن البلاد وخطر التهديد الخارجي . وهذاالاتحاد اتخذ صبغة جغرافية قبل كل شيء .
كما أننا نرى بأنه مع توسع العشيرةوكبرها انقسمت إلى فروع أو بطون ، التي أصبحت فيما بعد تكون عشائر بحد ذاته . وأصبحت العشيرة الأصلية الكبيرة على مستوى قبيلة (اتحاد بطون أو عشائر) كقبيلةتشانتي ЧІАНТИЙ. والعشائر الجديدة نشأت على أساس أن أفرادها هم السكان الجذريينللمناطق التي يقطنونها ، إضافة إلى القادمين الجدد . لذا يعتبر التايب أو العشيرة - هو ذلك المقر الرئيس ، الذي يعتبره أي شيشاني منشئا أصلياً لعلاقة القرابة بالدم عنطريق الأب . فعندما يريد الشيشان التأكيد على غياب الأصل لأحدهم عادة يقولون : " تسو ستِجا تايبا ءَ توقوم ءَ داتس " ЦУ СТЕГАН ТАЙПА А ТУКХАМ А ДАЦ أي بما معناه - ليس لهذا الرجل لا أصل ولا فصل .
إذا فما هي العشيرة الشيشانية وما هي الأسسالاجتماعية - الاقتصادية التي تحدد الوضع القانوني لها ؟
العشيرة الشيشانية - هيمجموعة من الناس أو العائلات نشأت على أساس علاقات إنتاجية بدائية ( كما هو الحالعند الهنود الحمر القدامى / ل . مورغان - المؤلف) . إن ماهية المؤسسة العشائرية،حسب بعض المفكرين، يجب البحث عنها ليس في العلاقات الأيديولوجية ( حقوقية كانت أمدينية ) ، ولكن في العلاقات المادية. وبالذات على أساس هذه العلاقات المادية بينالناس ظهرت وتطورت العلاقات الحقوقية والدينية وغيرها في التكوين العشائري للشيشان، مع كل ما صاحب ذلك من خصائص وميّزات .
تمتع أعضاء العشيرة الشيشانيةوالمرتبطين مع بعضهم البعض برابطة قرابة الدم عن طريق الأب بحقوق شخصية متساوية . أما الجذور الحقيقية لبداية العشيرة فلم تكن سوى الحرية والمساواة والأخوّة ، علىالرغم من أنها لم تكن موضوعة أو محددة من قبل أحد . وهكذا كانت العشيرة - هي أساستنظيم المجتمع الشيشاني .
إن البناء العشائري الشيشاني ( والحديث يعود إلى فترةالدراسة، والتي تعود إلى ما بعد القرن السادس عشر )، قام نتيجة التناقضات الداخليةالكامنة، التي كان لحد الآن ينظر إليها كوحدة راسخة لا تتزعزع، ذات علاقة بالأسسالحقوقية البدائية للتنظيم العشائري (تايبيزم)، والتي دعمت البناء العشائري قديماًوحفظته من التفكك ظاهرياً .
إن تلك الأشكال والأسس القديمة كانت قد دخلت فيتناقضات مع نفس تلك الاندفاعات نحو التملك - الاجتماعي ، التي أخذت وتائره تتسارعضمن خلايا العشيرة الواحدة . علما بأن الغطاء الحقوقي (القضائي) للهيئات العشائريةلم يكن يتوافق بعد والتركيبة التملكية للمجتمع.
إلاّ أنه من جهة أخرى كان هناكسبب آخر مهم خارجي المصدر ، لعب دوراً في حماية المجتمع من الاندفاعات الغريبةالجديدة وفي المحافظة على توازنه، انطلاقاً من مبدأ " الحق القديم " . فالعشائرالصغيرة عاشت في تلك الفترة محاطة بجارات أقوى ( جورجيا و قبارطاي وقوميق وغيرهم) . إن طبقة الإقطاع لهؤلاء قد أثرت دائماً بشكل أو بآخر على إرادة أفراد المجتمعالشيشاني، وتدخّلت في شؤونهم وحياتهم. وهذه الظروف الخارجية وقبل كل شيء غياب نظامأشكال الدولة لدى الشيشان ، أدى إلى تلاحم العشائر. وأعطى هذا التلاحم أمام الخطرالخارجي شكلا... نعم فقط شكل، للمساواة، والأخوّة، والدفاع عن المصالح المشتركة .
هكذا فإن العشيرة من حيث مفهوم الشيشان - عبارة عن مجموعة أفراد من أصل أبوي،لها جَدُّ واحد عام . إن المفاهيم الأربعة المعروفة والمعتمدة للدلالة على الأفرعالثانوية المنبثقة عن العشيرة ، يستخدمها الشيشان منذ القدم للدلالة على مجموعاتكبيرة ذات قرابة بالنسب . وهي تعكس اتحاد جغرافي محدد، يضم قبل كل شيء أناساًأقرباء بالدم . أما هذه المفاهيم هي: - فار (حرف الفاء V بالإنجليزية) ВАЬР - جار (حرف الجيم بالمصرية) ГАР - نيقي НЕКЪИЙ - تسا ЦІА . ويقابلها في اللغة العربية علىالترتيب : - عشيرة - بطن- فخذ - دار فلان (عائلة) .

العشائر الشيشانيةالرئيسة حسب الترتيب الأبجدي الشيشاني لها هي كما يلي :

أيتْقالّوي (أيتكالًوي) АЙТКХАЛЛОЙ ، آتشالوي АЧАЛОЙ ، بارْتشاخو БАРЧАХОЙ ، بِلْخوي БЕЛХОЙ ،بِلْغاتوي БЕЛГІАТОЙ ، بينوي БЕНОЙ ، بيتساخوي БЕЦАХОЙ ، بيلْتوي БИЛТОЙ ،بيجاخُوْي (جيم مصرية) БИГАХОЙ ، بُوغارُوْي БУГІАРОЙ ، وَارانْدُوْي ВАРАНДОЙ ،وَشانْدَروْي ВАШАНДАРОЙ ، ويبّي (حرف الباء يلفظ p الإنجليزية ) ВАЬППИЙ ، جالوي (الجيم مصرية) ГАЛОЙ ، غانْدالوي ГІАНДАЛОЙ ، غارْتْشوي ГІАРЧОЙ ، غاتّوي ГІАТТОЙ ،جينْدَرْجينوي (الجيم مصرية) ГЕНДАРГЕНОЙ ، جيلوي (الجيم مصرية) ГИЛОЙ ، غوْي ГІОЙ ، غوْرْدالوي ГІОРДАЛОЙ ، داتَّاخوْي ДАТТАХОЙ ، دْعَاي ДІАЙ ، دِيشْني ДИШНИЙ ،دْيْوْرَاخوي ДОЬРАХОЙ ، جِفوْي (حرف الفاء يلفظV بالإنجليزية) ЖЕВОЙ ،زَانْدَاقوْي ЗАНДАКЪОЙ ، زْعُوْجوْي (الجيم مصرية) ЗІОГОЙ ، زُوْمْسوْي ЗУМСОЙ (وهي نفسها عشيرة بُوغاروْي БУГІАРОЙ -المؤلف) ، زُوْرْزاقوْي ЗУРЗАКЪОЙ ،زْيوْرْخوْي ЗЮРХОЙ ، إيشْخوي ИШХОЙ ، إيهيرْخوْي ИХІИРХОЙ ، إيتالْتشْخوي ИТАЛЧХОЙ ، كَمالْخوي КАМАЛХОЙ ، كيْي КЕЙ ، كيلوي КЕЛОЙ ، كُولوي КУЛОЙ ، كُورْشالوي КУРШАЛОЙ ، كُوشْبُوخوي КУШБУХОЙ (وهي نفسها عشيرة عاليروي ІАЛИРОЙ -المؤلف) ،قْخارْتوي КХАРТОЙ ، كَيجانخوي (الجيم مصرية) КІЕГАНХОЙ ، لاشْكَروي ЛАШКАРОЙ ،مَزَرْخوي МАЗАРХОЙ ، مَكَجوي МАКАЖОЙ ، مارْشالوي МАРШАЛОЙ ، مِرْجوي МЕРЖОЙ ،مِرْلوي МЕРЛОЙ ، مْعايْسْتوْي МІАЙСТОЙ ، مُوجَخوي МУЖАХОЙ ، مُوْلْقوي МУЛКЪОЙ ،ناشْخوي НАШХОЙ ، نيْجَلوي НИЖАЛОЙ ، نيكَروي НИКІАРОЙ ، نيخَلوي НИХАЛОЙ ، نوقّخوي (مع لفظ حرفي القاف والخاء معا دون فصل أحدهما عن الآخر) НОККХОЙ، بيْشْخوي (حرفالباء يلفظ P بالإنجليزية) ПЕШХОЙ ، بْحامْتوي ПХЬАМТОЙ ، بْحارْتشوي ПХЬАРЧОЙ ،ريجاخوي (الجيم مصرية) РИГАХОЙ ، سادوي САДОЙ ، سَحَنْدوي САХЬАНДОЙ ، سْيارْبَلوي СЯРБАЛОЙ ، سَتّوي САЬТТОЙ ، سيسانْخوي СЕСАНХОЙ ، سيرْقخوي (مع لفظ حرفي القافوالخاء معاً) СИРКХОЙ، إوْْشْني ОЬШНИЙ ، توْمْسوي ТУМСОЙ ، تِرْتَخوي ТЕРТАХОЙ،تُولْقخوي (مع لفظ حرفي القاف والخاء معاً) ТУЛКХОЙ ، تُورْكوي ТУРКОЙ ، خاراتْشوي ХАРАЧОЙ ، خيْرْسَنوي ХЕРСАНОЙ ، خِيلْديحارْخوي ХИЛДЕХЬАРХОЙ ، خُوْيْ ХОЙ ،خُولانْدوي ХУЛАНДОЙ ، خُوْرْخوي ХУРХОЙ، حَكّوي ХЬАККОЙ ( وهي نفسها عشيرةتسوجانْخوي ЦІОГАНХОЙ /الجيم مصرية - المؤلف) ، تسَتسَنْخوي ЦАЦАНХОЙ ، تسُينْتَروي ЦІЕНТАРОЙ ، تسيتشوي ЦІЕЧОЙ، ، حَكْمَدوي ХЬАКМАДОЙ ، حَتشَروي ХЬАЧАРОЙ ، حُورْكوي ХЬУРКОЙ ، خيموي ХИМОЙ، خيخوي ХИХОЙ ، تشارْتوي ЧАРТОЙ، تشارْخوي ЧАРХОЙ ، تشيرْموي ЧЕРМОЙ ، تشُونْجاروي (الجيم مصرية) ЧУНГАРОЙ ، تْجارْخوي (أول حرفين يشكلان حرفاواحدا باللغة الشيشانية ولا يوجد له مثيل في العربية-المترجم) ЧІАРХОЙ ، تجينْخويأو تشينْخوي (كما هو الحال فيما سبق) ЧІИНХОЙ ، شاروي (شَروي) ШАРОЙ ، شيقَروي ШИКЪАРОЙ ، شيرْدوي ШИРДОЙ ، شونوي ШУОНОЙ ، شْبيرْدوي (حرف الباء يلفظ P بالإنجليزية) ШПИРДОЙ ، شِوْنْدي ШУЬНДИЙ ، إغاشبَتوي ЭГІАШБАТОЙ (حرف الألف يلفظما بين مفتوحا ومكسورا) ، إلْستانْجْخوي ЭЛСТАНЖХОЙ (بالنسبة للحرف الأول كما هوالحال في ما سبق)، إيناقخالّوي (حرفا القاف والخاء يلفظان معا) ЭНАКХАЛЛОЙ ،إينْجَنوي (الجيم مصرية) ЭНГАНОЙ ، إرْسَنوي ЭРСАНОЙ ، إرْخوي ЭРХОЙ ، يالْخَروي ЯЛХАРОЙ ، يالْخوي ЯЛХОЙ ، عاليروي ІАЛИРОЙ ، عَمَخوي ІАМАХОЙ وغيرها ...
يبلغتعداد العشائر الشيشانية خلال فترة الدراسة والبحث (مع دقة نسبية) ما يزيد عن مائةوخمس وثلاثين عشيرة . منها أكثر من عشرين عشيرة ليست جذرية . وهذه الأخيرة تكونت منممثلي شعوب أخرى دخلوا والتحموا مع المجتمع الشيشاني منذ فترة طويلة ، وانصهروا فيهتحت ظروف متباينة عبر مراحل التاريخ المختلفة . بعضهم أتى إلى بلاد الوايناخبأنفسهم بحثا عن أماكن استيطان ملائمة ، والبعض الآخر بحكم ظروف وأوضاع تاريخيةمعينة . اضطر هؤلاء اتخاذ لغة وعادات وتقاليد ومعتقدات جديدة وغريبة عليهم . ومنالطبيعي أنه لم يكن لهؤلاء في أماكن سكناهم الجديدة أي مواقع عشائرية جذرية أومراعي أو جبال أو مقابر (وخصوصا المقابر الشمسية) المستخدمة في دفن الموتى . وهذاالأمر مهم بالنسبة لدراستنا حول ما يخص نظرية كون شعب الوايناخ ذو أصل أتني نقيتماماً .
ومن الجدير بالذكر أنه جرت عملية عكسية أيضاً . فمن المعروف على سبيلالمثال بأن العائلات الإنجوشية المشهورة مثل أخرييف АХРИЕВ و لِيانوف ЛЬЯНОВ وبوروف БОРОВ هي من اصل شيشاني من عشيرة ديشني ДЫШНИЙ والعائلات دارتسيجوف ДАРЦЫГОВ و بوزورْتانوف БУЗУРТАНОВ ( هي من نصير-كورْتْ) وعشيرة خاؤتييف ХАУТИЕВ هي من قبيلةطيرْلوي ТІЕРЛОЙ .
حيث أن كل عائلة تدخل ضمن العشيرة باستطاعتها مع مرور الزمنأن تؤسس نواة لعشيرة جديدة عن طريق انقسام العائلة إلى فروع عديدة ، ظهر بناء معقدبمحيط واسع له مركز واحد . وعليه تكونت العشيرة الشيشانية في القرن السابع عشر منمجموعات من الأبناء ، والتي تجزأت بحد ذاته إلى مجموعات أصغر حجماً . وبكلمات أخرى،فالعشيرة، هي عبارة عن اتحاد لمجموعات أقارب ذات جد واحد عام ، مرتبطة مع بعضهاالبعض على أساس التقسيم إلى درجات القرابة المباشرة والفرعية.
هذا النظام منالقرابة النَسَبية داخل العشيرة يشبه جذع شجرة ينمو باستمرار مكونا أفرع عديدة . وعملية نمو علاقات القرابة بالدم تعطي في حالة العشيرة الشيشانية خطوط وراثيةلأجيال تزيد عن الثلاثين . وفي هذه الحالة حافظ الابن الأكبر فقط على حق وراثة هذاالتنظيم. والأبناء الذكور الأصغر سناً فقدت آثارهم عبر ما كنوا يعطون من أفرع فيسلسلة الأنساب هذه . وعكس ذلك فإن التفرعات الجانبية المستمرة كان عليها أن تؤديإلى ظهور كل مجموعات الأسر القريبة بالدم والجديدة منها على حد سواء مع تسمياتها .

إن ممثلي الفرع الرئيسي من القرابة هم الذين يحلون محل مؤسس العشيرة، أماالأبناء الأصغر سناً فهم كخط منفصل يكونون أفرع خاصة بهم ؛ هذه الأفرع التي غالباسرعان ما تغيب عن النظر . وفي حال موت الأكبر (الابن من خارج الأسرة) فالذي يرثالخط هو الابن التالي من حيث العمر مع بقاء اسم الفخذ على حاله .
خلافا عنالعشيرة ، التي يصعب عليها تسمية جدها الحقيقي الضائع بين الأساطير والحكايات، فإنالفخذ НЕКЪИЙ أو البطن ГАР يستطيع أفرادها دائما أن يأتوا باسم جدهم الحقيقي . إنكلمة "جار" (الجيم مصرية) ГАР نفسها والتي تعني كما ذكرنا "الفخذ" - والتي هي عبارةعن فرع أو بداية أو ثمرة تدعونا أن نتسائل : مِن مَن ؟ مِن أيّ منهم ؟ وفي هذهالحالة ممكن تسمية الجد المؤسس وبشكل شخصي ، والذي سُمي الفخذ باسمه وبقي كذلك (أنظر ملحق رقم 5) .
ومع زيادة أعداد العشيرة وكبرها مع مرور الزمن تجزّأت إلىواحد أو أكثر من الفروع ، وهي التي تسمى "بطون " (جارْ) ، والتي مع نموها وكبرهاأصبحت بدورها عشائر.
لقد بقي الشيء الكثير من مفهوم التطور التاريخي للعشيرةالشيشانية وعلاقاتها مع الأشكال الأخرى للتنظيم الاجتماعي موضع نقاش واختلاف فيالرأي ، وبحاجة لدراسة وبحث عميق .
إن كبار القوم وزعماء الشيشان لم يكنباستطاعتهم دوماً الحصول على أشياء صعبة المنال، أو الوصول إلى نجاحات باهرة، كماولم يخوضوا غمار مسابقات رومنطيقية . لقد ثمنوا ديموقراطية العشيرة في المجتمع، ولميزالوا حينها يتخذون شكل الفلاحين المسالمين : كانوا يرعون الخراف في الجبال ،يحرثون الأرض ويزرعونها بأنفسهم . أما مفهوم الشرف العالي، والمساواة، والأخوّة،مابين أعضاء العشيرة كلها ، فقد دخل مرحلة جديدة من العلاقات العشائرية.

القسم  الرابع

العادات كقاعدة حقوقية للبناءالعشائري


تسترشد التركيبة العشائرية الأبوية(Patriarchal) بصفتها معيارا أو قاعدةحقوقية بالعادات والتقاليد. ولا شك بأن العادات والتقاليد ترعى مصالح البناءالعشائري هذا . والعادة – حق عادي ، تم وضعه على أساس اقتصادي وعلى أساس أنه قاعدةالحياة اليومية التي تسير عليها القبائل الزراعية المستوطنة وقبائل الرعاة المتنقلة .
وتتناول العادات المسائل التي تمَس مباشرة نمط الحياة المعيشي العادي للناس -وتدخل هنا مسائل ذات طابع عائلي ووراثي وجنائي . وعلى هذا النحو تتميز العشيرةبحقوق وواجبات وامتيازات مفروضة على أعضائها وعليهم الالتزام بها تماما ، وهي تطابقبمجملها النظم العامة للمؤسسة العشائرية القضائية.
ماهي القواعد الاجتماعيةالإلزامية العامة ، التي وضعتها المؤسسة القضائية للعشيرة الشيشانية أمام أبنائها؟
هناك ثلاثة وعشرون مبدءاً عاما وقاعدة سلوكية أساسية وضعتها المؤسسة القضائيةللعشيرة الشيشانية . وهذه المبادئ هي :-
1-
وحدة ومتانة العلاقات العشائرية بينكل أفراد العشيرة
2-
الحق العام لملكية الأرض : في نهاية القرن السابع عشر وجدتفي بلاد الشيشان أراض زراعية امتدت إلى أعالي الجبال . وكانت هذه الأراضي كقاعدةعامة ملكا للعشيرة كلها . إلا أنه جرت وبسرعة عملية تقسيم وزراعة هذه الأراضي بينالآسر والعائلات على انفراد . وتميز ذلك الوقت بسمة تتمثل في تباين عملية تقسيموتوزيع الأملاك في بلاد الشيشان الجبلية . وتشهد الأمثلة والحقائق التالية على ذلك :- وجود فلاحين دون أرض للفلاحة أو الزراعة , وجود أشكال من الاسترقاق والاستغلالبالنسبة لاستئجار وتأجير الأراضي والأملاك ، وجود كميات هائلة من المواشي تمتلكهافئات محدودة من الناس
3-
إعلان الثأر بالدم لعشيرة ما من عشيرة أخرى بسبب القتلأو التشهير العام : في حالة مقتل أي فرد من أفراد المجتمع العشائري اجتمع في الحالمجلس عشيرة المقتول للبث في الموضوع . وكان أقرب أقارب الميت يشاركون فيه بنشاط . وفي هذا المجلس بحثت سبل وطرق القصاص ودرس الأمر من كل جوانبه . ثم وضعت الحلولاللازمة أو اتخذ قرار للأخذ بالثأر من القاتل . ومن جهة أخرى كانت تجتمع عشيرةالطرف الآخر أي الجاني لدراسة الأمر في مجلسها ، حيث كان يتم تحري الطرق والوسائلالمختلفة بغية الوصول إلى حل ما أو صلح مع عشيرة المُعْتدى عليه. ونادرا ما كانتالعشائر تتنازل عن حقوقها ، وتمضي فترة طويلة حتى الوصول إلى حل أو اتفاق ممااستدعى مشاركة ممثلين عن عشائر أخرى محايدة .
وهكذا يجتمع مجلس القبيلة ( المجلسالعام )، الذي يأخذ بعين الاعتبار بمطالب طرفي النزاع في وضع شروط الصلح . وتجدرالإشارة إلى أن ظروف القضية وشروطها تباينت تبعا لقوة وموقع هذه العشيرة أو تلك فيالقبيلة . وعلى سبيل المثال في حال كون المقتول من عشيرة مشهورة، أو كبيرة، وجب علىذوي القاتل التعويض بدفع غرامة (دية) لذوي المقتول مقدارها ثلاث وستون بقرة . والإصابة بجرح جراء استخدام سلاح ناري ، كلف الجاني عشرين بقرة . أما محاولة القتلالفاشلة باستخدام سلاح ناري فتطلب من الفاعل ستون بقرة . وعضو العشيرة الصغيرة أوالضعيفة، التزم بثلث ما ورد . وإذا كانت النتيجة أن لا صلح بين الطرفين ، فالحقللعشيرة المعتَدى عليها اختيار الشخص الذي تريده للأخذ بالثأر . وبطبيعة الحال كانهذا دائما هو نفس الشخص الذي قام بالفعلة، أو كما يقول الشيشان كوْيجْ بيْخْكيدِيْرْجْ (بالجيم المصرية) تسـأ ءإصتإ ؤإذأ ، أي ذو اليد المذنبة . ولم يكن علىعشيرة الفاعل(المذنب) سوى الرضوخ للقرار أو لهذا الحل . وبمقتل المذنب تنتهي عمليةأخذ الثأر بالدم .
4-
حظر أو منع الزواج بين أفراد العشيرة الواحدة منعا باتا : كانت عادة حظر الزواج ومنعه ضمن العشيرة الواحدة من أكثر عادات الشيشان انتشاراوتجذرا . فيم يكمن سبب هذا المنع أو الحظر؟ يؤكد أصحاب الخبرة والتجارب وذو الحكمةمن الناس ، بأن الزواج ضمن إطار العشيرة لن ينجب نسلا صحيا وقويا، وبذا فلن يكونكثيرا . فالحياة أثبتت سلبيات وعواقب تزاوج الأقارب وما لحق النسل والسلالات منتدهور . وأكد آخرون بأن مخالفة قاعدة الزواج بين الأباعد تترك وراءها أمراضا ومشاكلمستعصية في المستقبل .
إن فرض هذه العادة داخل العشيرة لم يتم نتيجة سلطة ماتشريعية أو إجراءات قانونية . ومع ذلك يحاول الشيشان حتى وقتنا الحاضر التمسك بهذاالمبدأ الصحيح . ظهرت هناك محاولات لدى بعض العشائر القليلة لخرق هذه العادة،والمبدأ السلوكي للعشائر (وهو الزواج بين الأباعد)، كعشيرة تْسَادَخْروي ضہؤہصذخة (TSADAKHROI) ، لكنهم قوبلوا من قبل كافة العشائر الشيشانية باستنكار كبير، وبحملاتتصف عملهم هذا بالعار ، وبانتقادات لاذعة، وبمجابهات مرة . وقد يسأل أحدهم لماذا ياترى ؟ الجواب على ذلك بسيط :- لأن الفتاة القريبة عن طريق الأب تعتبر شقيقة لأيشيشاني، من نفس العشيرة ( أو حتى القريبة عن طريق الأم-المترجم).
ودرجة القرابةبالدم متطورة عند الشيشان لتمتد إلى أجيال بعيدة .. ويتم الحفاظ عليها، أو بالأحرىلا تنفصم عراها حتى الجيل السابع أو الثامن . ويبين الشكل التالي ذلك باللغتينالعربية والشيشانية * :-


درجة القرابة بالدم موضحة باللغتين الشيشانيةوالعربية:
العائلة ض²ہ
الأب ؤہ الأمحہحہ

الأخ (ابن العم) آہطہ ةبطہالأخت(ابن العمة)
ابن الأخ طب×ہ طب×ہ ابن الأخت
ابن ابن الأخ جكص×ہ جكص×ہ ابنابن الأخت
ابن السابق آخآصزہذ ةخآصزہذ ابن السابق
الوسيط قتعةخـتعہذأقتعةخـتعذأ الوسيطة
عديم اللقب ض²إةخضسذأ ض²إةخضسذأ عديمة اللقب
القريبأإذأہذحہأ أإذأہذحہأ القريبة
المسموح له (جائز)تصخ×سطآإذ تصخ×سطعإذأ المسموح بها (جائزة)

--------------------------------------------------------------
*
منالمعلوم بأن الشيشان والإنجوش يمنعون زواج الأقارب . وهذا يمتد حتى الجيل السابعوالثامن كما هو مذكور أعلاه . ومن المعلوم أيضا منذ القدم كون توارث الأمراض يختلفمن الزواج بين الأقارب Inbreeding (والتي تعني قصر الشيء على نطاق ضيق) عنه منالزواج بين الأباعد Outbreeding ، حيث أنه كلما كانت درجة القرابة بين الزوجين أقوى، كلما زاد معامل(فعالية) الـ Inbreeding . وهذا يعني إمكانية الإصابة بالأمراضالوراثية بشكل أكبر في الأجيال التالية أهمها مرض البلاهة Idiotism. ورغم كون الأبوالأم بصحة جيدة ، إلاّ أن هذا لا يمنع ظهور المرض عند تزاوج أولاد وبنات الأجيالالتالية . والسبب يكمن في أن كل من الوالدين يحملان الجينات المتغايرة الضامرة Aa× Aa التي تنتقل من أحد الأجداد خلال الأجيال المتعاقبة . ومثل مرض البلاهة هناك مرضعمى الألوان Daftanism ، ومرض النزفالدموي Hemophilia ، وكذلك الخرس والطرش وأنواعمختلفة من البلاهة . ومن جهة أخرى فإن 25% من أمراض العين تنتقل وراثيا . وتوجد بعضالحالات المرضية عند شيشان الأردن نتيجة زواج الأقارب (إلا أنه نادر جدا)، من إصابةالأطفال بالأمراض المختلفة أو حالات وفاة ، وكثير منا لا يدري عن ذلك شيئاويعتبرونه حدثا عاديا .
فعلم الوراثة وعشرات الأمثلة تدل دلالة واضحة لا تقبلمجالا للشك عن صحة وفاعلية زواج الأباعد كما هو لدى الشيشان ة والإنجوش حتى الجيلالمذكور . ولو فكر أبناؤنا اليوم بشكل سليم لأدركوا الأبعاد الخطيرة لزواج الأقاربالمترجم، د. أمين شمس الدين)




وحتى بالنسبة لأفراد الجيلالسابع والثامن من الأقارب يمنع الزواج فيما بينهم أو الانتقام المتبادل . غير أنمثل هذه الدرجات من القرابة المتسلسلة عبر الأم سمح لأفرادها بالزواج فيما بيتهم،وكذلك الحال بالنسبة لأخذ الثأر . إلا أن الزواج بين الأقارب عبر الأم لم ينصح بهللأجيال الأول والثاني والثالث .
5-
تقديم المساعدة العشائرية لأفراد العشيرة فيحالة الفقر أو أية مصائب أخرى: إن بِلْخِي هي واحدة من الأشكال القديمة للمساعداتالعشائرية ، والتي بقيت حتى الفترة الأخيرة . وقد نشأت هذه العادة كشكل من تقديمالمساعدة بصورة خاصة من قبل الأسر والعائلات الغنية وعائلات ذوي النفوذ ورجال الدين .
6-
في حالة وفاة أحد أفراد عشيرة ما ، تشارك بقية العشائر في الحداد وتقديمالعزاء : منع منعا باتا إقامة الأفراح والحفلات المختلفة في المناسبات الحزينة . استمر الحداد طويلا عند الأهل والأقارب الجوهريين للمتوفَّى . أما الآخرون فأنهواحدادهم بعد مرور فترة زمنية معينة على الوفاة ، أو بعد أخذ السماح والإذن من أكثرالناس قرابة للمتوفى .
7-
ترأس العشيرة زعيمها ( تايْبانا حالْخانْتْشَا ) زہةدہحہح صـہثصہح×ہ ، أو كما يقول الشيشان عادة تْحَامْدا زصـہجؤہ : كان زعيمالعشيرة هو الذي يقود مجلس كبار العشيرة ويشارك في جميع أعمال المجلس . وشكل الزعيمالقدوة لأفراد عشيرته يرشدهم أساليب السلوك وفق ظروف الحياة المختلفة. والتزم كلأعضاء العشيرة بتنفيذ القرارات الصادرة عن هذا المجلس . إلا أن القرارات النهائيةكانت تعود فقط إلى المجلس العشائري في اجتماع ديموقراطي عام يشارك فيه الجميع .
8-
اختيار زعيم العشيرة بموافقة عامة للمجلس العشائري: إن اختير الزعيم كان يتمبموافقة المجلس العشائري المكون من الرجال كبار السن من أهل الحكمة والمعرفة. ولمتكن الزعامة تحمل صفة وراثية . اختير كل من زعيم العشيرة (حالْخانْتشا) صـہثصہح×ہوقائدها الحربي (باتشّا) ءہ××ہ ، بناءا على صفات ومزايا شخصية فريدة، مثل – الحكمةوالبلاغة والشجاعة والإقدام في مختلف الأحوال والظروف . وإن كانت الزعامة تناط إلىالشخص الأكبر سنا في العشيرة، إلاّ أن مهمة القيادة العسكرية كقانون، سلِّمت إلىرجل في متوسط العمر، أو حتى إلى شاب توفرت فيه صفات الرجولة الحقة، والشجاعة،والحنكة القيادية . والمجلس العشائري راعى دائما وبحزم أنظمة العشيرة ومبادئهاالديموقراطية ، محافظا بذلك على مكانة الزعيم العام للعشيرة ووظيفته . أما القائدالحربي فكان يستخدم سلطاته وقت الحرب فقط .
9-
مجلس العشيرة الخاص ( شورى العشيرة ) أو تايْبانا قيلْ زہةدہحہح تصإث: وُجد لكل عشيرة مجلسها الخاص سمي تايبانا قخيلْ،وتعني – مجلس شورى العشيرة . وكانت كل القرارات النهائية المتخذة من قبل هذا المجلسسارية المفعول على جميع أفراد العشيرة . وكان كل فرد ملزم بشكل مطلق باتباعها . كماأن حلول ونصائح وإرشادات زعيم العشيرة كانت نافذة المفعول .
10-
تألف المجلسالعشائري المنتخب من الناس الحكماء وذوي الاحترام والوقار من كبار السن ، بغض النظرعن أحوالهم المادية وحجم ملكيتهم : مع أن مهمة عضو المجلس العشائري أنيطت إليه مدىالحياة ، إلاّ أن استمراريتها في الواقع اعتمدت بشكل كبير على سلوك هذا العضوونشاطه ، وبقدر ما كان هناك الحق في تنحيته من منصبه وعزله من العضوية .
11-
علنية اجتماعات المجلس العشائري : استطاع كل شيشاني وحسب رغبته التواجد فياجتماعات المجلس، وحضور أعماله، والتكلم فيه، وإبداء رأيه بحرية . أما عند صدورالقرارات النهائية في مختلف المسائل فكان حق التصويت لأعضاء المجلس المنتخبفقط.
12-
تمتع جميع أعضاء المجلس العشائري بحقوق متساوية
13-
حق العشيرة فياختيار وعزل زعمائها وقوادها الحربيين : في الفترة التي درست كان حق تعيين الممثلينفي اجتماع عام للعشيرة تخيلا معنويا فقط ، إذ أن الزعيم في واقع الحال لم يكنينتخب؛ لكنه كان يبرز بنفسه من مركز قوة ما (هذه أو تلك من الإمكانات)، وصفات أخرىخاصة به . وكقاعدة عامة كان هذا الشخص من الناس الأغنياء، أو ذوي النفوذ الاقتصادي،وبيده تماما سلطة معنوية. ومع كل ذلك، وكما سبق وأن أشرنا إليه، لم تكن وظيفةالزعيم ذات صبغة وراثية أبدا . إذ استلم مكانه بعد انتهاء مهمته شخص آخر من نفسالعشيرة .
تحمل زعيم العشيرة (تْحَامْدا) مسؤولية كاملة عن أخطاء وتصرفات عضوعشيرته، ومسؤولية معنوية إذا اتضح أن الحلول التي قدمها للمسائل المطروحة كانت غيرسليمة، ولم تؤدي إلى إلى نتيجة ناجحة . وبدوره كان أعضاء العشيرة مجبرون على إطاعةزعيمهم والتقيد التام بقراراته ، بصفته الخادم والحارس الأمين للعشيرة . واحترامهكان واجبا أساسيا .
أدار الزعيم حياة العشيرة الاقتصادية والحقوقية أيضا . وكانكل فرد فيها وحسب رغبته يسترشد بالزعيم ويبلغه أموره التي بحاجة إلى حل سريع ،كقضايا الزواج وتعديل أو تقسيم المباني والمزارع بين أعضاء العشيرة وفض نزاعاتالملكية.. ألخ. وعند اجتماع المجلس العشائري برئاسة الزعيم لم يشترك الشباب ولاالنساء في وضح الحلول للمسائل المتعلقة بالعشيرة . وبقيت هذه الظاهرة متعمقة لدرجةوصلت فيها حتى إلى أوائل سنوات السلطة السوفييتية في البلاد . وفي أغلب الأحيان كانيطهر في لقاءات التشاور ومناقشة المسائل وحلها فقط الشيوخ وكبار القوم من العشيرة .
14-
انعدام حقوق المرأة عند حل المسائل الحقوقية : ضاع حق المرأة في الرأيوالتصويت عند مناقشة وحل المسائل الاجتماعية – السياسية في حياة العشيرة . ومن جهةأخرى تمتعت المرأة بمكانة عالية داخل الأسرة . إلا أن واقع الحال عكس شيء آخر وهواعتداء على حقوقها المدنية . حيث أدى تدني مستوى المؤسسة الاجتماعية العشائرية وقبلكل شيء إلى انتهاك حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية .
وفي الفترة قيد الدراسةفترة سيطرة الأب المطلقة – كان سيد الوضع هو الزوج ، أما الزوجة فقد خضعت تمامالسلطته اللامحدودة . غير أن قتل المرأة كان عند الشيشان ولا يزال يعتبر عارا كبيراإن لم يكن الأكبر ، حيث حُفظت بعض حقوق المرأة المدنية ما عدا حقها في الكلمةوالتصويت، على مبدأ المساواة مع حقوق الرجل . فمثلا في حالة تشكل وتكوين بداياتلارتباط عائلي (زواج على سبيل المثال) ، ثم امتنعت أحد الأطراف عن إتمام الزواج وجبإلى الطرف الممتنع دفع غرامة مقدارها 12 بقرة . وإن زنت الزوجة وقتل الزوج الاثنينمعا فلا ضير عليه ولا ذنب . أما إذا قَتل أحدهما فقط فقد اعتُبر قاتلا ، وتوجب علىذوي المقتول المطالبة بالثأر . إذا تم إيذاء أو إهانة فتاة أو أرملة دفع المذنب سبعبقرات . ومقابل إيذاء وإهانة المرأة المتزوجة وجب دفع عشر بقرات، ويُنبَذ الجاني منالمجتمع . وإذا انكشف أمر امرأة غير متزوجة بالتخلص من جنينها غير الشرعي ، أركبتعلى بغل ووجهها إلى مؤخرته، وقد صبغ باللون الأسود، وسيقت إلى الأماكن العامةتلاحقها صرخات اللعنة والشتائم من قبل الناس .
والمرأة كما ذكرنا أعلاه لم تخرجفي حالة زواجها من عضوية عشيرتها . وبذلك نرى بأنها لم تفقد حق وراثة أبيها . أماأبناءها فلم يرثوا شيئا بعد موت والدها، ذلك أنهم أصبحوا أعضاء في عشيرة أبيهم .
إذا حصل وقام شيشاتي بقتل زوجته وليس لديها أبناء ، وجب عليه دفع غرامة لذويهامقدارها خمس وثمانون بقرة . إما إذا قتلها ولها أولاد فدفع 12 بقرة . وعلى العمومقوبل قاتل زوجته باحتقار وازدراء شديدين من قبل المجتمع .
15-
حق تبني الأجانبوقبولهم في العشيرة : قبل العشيرة في عضويتها الأشخاص الغرباء باحتفال كبير . وبهذهالمناسبة كان المنضم الجديد للعشيرة يذبح ثورا . ويسمى هؤلاء الأشخاص حتى الآن بـ " سْتُو بِيْنا خِلاّ وِجاري رزس ءبةحہ صبثثہ آإئہذبة " ، أي الذين أصبحوا أخوة بذبحثور . ولم يشترط على هؤلاء باتخاذ اسم العشيرة التي انضموا إليها لتكون اسما لهم،ولم يرغموا على ذلك، إنما احتفظوا بأنسابهم حسب انتمائهم الثقافي – المادي والروحي . وكقاعدة عامة لم يحملوا ألقابا أو اسم أب. ومن الأمثلة على ذلك: أب فلان ، فلانالعاندي ، فلان القوميقي .. وهكذا نسبة إلى أقوامهم الأصلية . أما دلالة النسب عندالشيشان الجذريين فقد انحدرت كقاعدة عامة من أسماء أقرب الأجداد للعائلة . مثال علىذلك : ويسايت ابن أوزدامير من غابي نيقي (أي من الفخذ غابي) . وفي بعض الأحيان يكوناسم العائلة قد أُخذ من تسمية العشيرة نفسها . مثال على ذلك : طيرلو ز²إذثخ، ميرْجوجإذئخ ، جونوأسحخ ، ديشني ؤغطحبة .. ألخ .
16-
انتقال أملاك المتوفى إلى أعضاءالعشيرة : قسم إرث المتوفى بين أعضاء أسرته وبين أقرب الناس إليهم . وتجدر الإشارةإلى أن أثمن الأشياء الشخصية للمتوفى كانت تدفن معه (كأدوات الحرب وما شابه) . وحفظعند الشيشان حق ميراث وامتلاك الأشياء بين ورثة الميت إلى زمن طويل .
17-
لكلعشيرة اسمها الخاص مأخوذ من اسم مؤسسها ، وانتمت هذه العشيرة تماما إليه
18-
لكلعشيرة إقليمها وجبلها العشائري : مثال على ذلك : دْعاي - لامْ (أي جبل عشيرة دْعاي) و لامْ تعني جبل بالشيشانية ، وهكذا ديشني- لامْ ، تُومْسوي - لامْ ، بينوي - لامْ .. ألخ.
19-
لكل عشيرة برجها أو قلعتها الخاصة : يكون هذا البرج أو القلعة شيد منقبل مؤسس العشيرة (أنظر ملحقات المترجم) . كان وجود البرج أو القلعة يرمز إلىالأصالة السكانية . والعشيرة التي لم تكن لها قلعة أو برج فقدت حق الانتماء إلىالسكان الجذريين لبلاد الوايناخ . وهذا يتفق لدرجة ما مع قانون الشيشان العادي ،إلا أنه تجدر الإشارة بأن البرج أو القلعة لم ينتمي إلى العشيرة بأكملها ، بل إلىزعيمها قبل كل شيء . إن الدراسة العميقة لهذه المنشآت تظهر بوضوح محاولات الرؤساءالانفراد إقليمياً عن السكان العاديين . وبهذه المناسبة يقول عالم الآثار الشيشاني،عوماروف س.ا. :- " لم يكن في البرج أي شيء ذو تصميم أو اختراع أمكن اعتمادا عليهاعتبار البرج ملكية عامة أو جماعية ، فهو أي البرج يجاور عادة أبراج وبيوت سكنية . وشيدت الأبراج والقلاع في أماكن استراتيجية هامة محاطة بأسوار حجرية ضخمة أو بخندق " *. أما المؤرخ كوسفين فيصل من خلال عمله في هذا المجال إلى خلاصة يقول فيها : " في تلك المناطق من القفقاس ، التي أنشأت فيها الأبراج الحربية وجدت أنها تنتمي إلىباترونيميا أي إلى فخذ بالذات . بحيث وجد لكل باترونيميا Patronymic (فخذ) برجهالخاص . وفي القرية عدد من الأبراج بقدر ما كان فيها أفخاذ (نيقي) " ** .
فيالفترة التي درسناها كانت هذه الأبراج الحربية ملكية رئيس المجموعة الصغيرة منالأسر (أقارب في الدم) ، الذين كما سبق وذكرنا يسمون – جار –(بالجيم المصرية) وليسللباترونيميا كلها . من الضروري هنا الإشارة إلى أن معظم هذه الأبراج أو القلاعالسكنية والحربية احتفظت بأسماء أصحابها الأساسيين . مثال على ذلك : أونْتي غالا (قلعة أونتي) . و غالا تعني بالشيشانية قلعة... وهكذا ألْدَمْ غيزي غالا ، زايْتانغالا .. الخ .
--------------------------------------------------------------*
عوماروف س. ، الآثار الثقافية للأبراج في الجزء الجبلي لبلاد الشيشان-إنجوش/أرشيفالمعهد الشيشاني للأبحاث العلمية قي التاريخ واللغة والآداب ، 1970
**
كوسفين ،علم الاتنوغرافيا وتاريخ القوقاز ، موسكو ، 1961) .

ومما يجدر ذكره أيضا أنبعضا من ملاكي وأصحاب هذه الأبراج والقلاع كانوا منبوذين من الناس . ويظهر ذلك منالأساطير والقصص الشعبية الشيشانية . مثال على ذلك : أن الأمير سيبا (SIPA) صاحببرج تْسُوْي – بْحِيدا ض²خة-دصـبؤہ، كان يستغل نفوذه لغايات خاصة، ومنافع شخصية،على حساب الآخرين . فقد كان يستغل إمكاناته لتحقيق مآرب بذيئة مرفوضة من المجتمع , النتيجة في النهاية كانت انه نال جزاءه بأن قتلته ابن امرأة مسكينة . ومثالآخر:الأمير موتسال صاحب قلعة، أجبر بعض العائلات مثل عائلة تْسْوي بْحِيدوي، وبشكلقسري على أن ترعى قطيع ماشيته . وهو أيضا لم ينج من العقاب ومـن ثأر وانتقامالمواطنين .
يقول إيفانوف م. : " قبل نهاية القرن السابع عشر ، عندما انتهتتقريبا عملية الاستيلاء على جميع المراعي الرئيسة من قبل زعماء الشيشان وغيرهم منالأقوياء وذوي النفوذ ، اشتد بطبيعة الحال استغلال الفئات الفقيرة من الناس من قِبلالأمراء الإقطاعيين . وحصل الإقطاعيون المحليين على كل أشكال المساعدات والتغطياتمن قبل الملاكين الكبار، من المناطق والبلدان المجاورة "1).
كانت لهذه الوقائعانعكاسات كبيرة ظهرت في الأساطير والقصص التاريخية وفي الأغاني الشعبية الشيشانية ،والتي حفظت بحرص في فكر ووعـي الشعب كأدلة دامغة على الحكمـة وعلـى المعنوياتالعالية . فمثلا تتناقل على نطاق واسع الواقعة التالية : " عندما قُتل الأميرخانْميدْ من قرية زِينْجالا (غالانتشوج) من قِبل الفلاحين الثائرين ، تمكن ابنه منالفرار إلى كبارديا (بلاد القبرطاي) . وعاد من هناك على رأس مجموعة كبيرة لأحدأمراء القبرطاي وهزم قاتلي أبيه ، وأعاد الوضع السابق لعائلته كما كان " (نفسالمرجع السابق) .
20-
لكل عشيرة آلهتها الخاصة وشعائرها الدينية : نستطيع القولدون التطرق إلى الشكل السياسي الرفيع للدين وللشعائر الدينية عند الشيشان ، بأنه فيالحقبة التي درسناها كانت الشعائر الدينية لشعب الوايناخ على علاقة مباشرة لدرجة أوأخرى بالعشيرة نفسها. فالشيشان إلى الآن يقولون : قينْخوي ديلا ( رب القينخوي) . وديلا ؤإثہ تعني باللغة الشيشانية رب أو إله ، وقينخوي هو اسم عشيرة .. وهكذاكيرْدوي ديلا ، طيرْلوي ديلا ، معايْسْتوي ديلا .. أخ.
21-
احتفلت كل عشيرةبأعيادها المرتبطة بآلهتها وبشعائرها الدينية
احتفل بمثل هذه الأعياد بشكلمنتظم . ومن الأعياد عيد الربيع ، عيد المحصولوغيرها.
--------------------------------------------------------------
(1)
إيفانوف م. ، أعالي نهر جبى-خي ، منشورات المجمع الجغرافي الروسي ،مجلد 15 ، ج4 ،ص295 ، 1902


وعادة ما كانت الاحتفالات تقام في الساحات أمام المعابد مثلمعبد تْسـو ض²س ، رافقها الأكل والشرب الكثير. وكان كل شخص تقريبا يحضر معه للأعيادكبشا أبيضا، أو عجلا صغيرا لنحره . وكانت تصنع في هذه المناسبات البيرة الشيشانيةالمنزلية ( ييي) .
22-
لكل عشيرة مقبرتها الخاصة : وجد لكل عشيرة مقبرة خاصة لدفنموتاها من أبناء العشيرة فقط. وتجدر الإشارة إلى أن الزوجة أيضا دفنت في مقبرةعشيرة زوجها . استمر الشيشان لفترة طويلة على هذه العادة ، إلاّ أنه مع نمو السكانوزيادة أعدادهم على حساب الأرض حد من هذه العادة وتحولت مقبرة العشيرة إلى مقبرةمشتركة لعشائر عديدة .
ومع كل ذلك وكقاعدة عامة استمر جميع أعضاء عشيرة المتوفىبالاشتراك في مراسيم دفنه وفي رعاية قبره وإحياء ذكراه .
23-
الكرم العشائريالشيشاني : كان على سيد العشيرة ومن أجل الحفاظ على شرف ومجد عشيرته التضحية بكلشيء وبحزم من أجل إكرام الضيف . وتلاقي خدمة الضيف السيئة أو عدم الترحيب به ازدراءالمجتمع واحتقاره وانتقاداته . وإذا أهين الضيف وأغضب تعرض المذنب لأقسى أنواعالمسؤولية . أما إذا قُتل الضيف فدفع القاتل سبع بقرات للشخص المضيف ، ولذويالمقتول ثلاثا وستين بقرة ، أو ترتب ثأر للسيد المضيف من القاتل حسب القواعدوالقوانين العامة التي كانت متبعة .
شملت هذه البنود الثلاثة والعشرون الرئيسةجميع القواعد والقوانين الأساسية للمجتمع العشائري الشيشاني . وبالإضافة إليها وجدتقواعد وأصول ثانوية التزمت بها الأسر والعائلات الشيشانية، منها:- طرق التعامل معالزوجة أمام الناس وضمن الأسرة - الأساليب المتبعة في التعامل مع الأبناء أمامالكبار أو الصغار ، وأمام الأقارب والغرباء – كيفية التصرف في البيت وفي الضيافةولدى الآخرين– كيفية التصرف عند لقاء الكبار أو الصغار – كيفية مساعدة الرجل الكبيرفي السن أثناء ترجله عن حصانه أو امتطائه - طريقة الاعتناء والاهتمام بالضيف وأسلوبالكلام معه– كيفية التنحي عن الجهة اليمنى وآداب الجلوس على الموائد في البيت وفيالضيافة .
تم تداول هذه الأمور من جيل إلى جيل خلال آلاف السنين ، وتشكلت بشكلعفوي عادات خاضعة لنظم اجتماعية ونفسية وسلوكية صعبة . وما كان ليحدث عكس ذلك ؛ إذأن العادات كأيّة قوانين مرعية وقبل كل شيء هي - عبارة عن ظاهرة اجتماعية وليستاتنوغرافية Ethnography *. والتزم كل فرد في العشيرة بهذه الواجبات والحقوق بكلقناعة واهتمام .
--------------------------------------------------------------
*
الاتنوغرافيا هو علم في وصف السلالات البشرية وعادات وأخلاق الشعوبالمترجم


إن المسمّيات والمفاهيم الواردة في اللغة الشيشانية والواردةأدناه تثبت ذلك الواقع الذي يقول – بأن الشيشان منذ القديم الغابر أنشأوا نسقا أونظاما معقدا لأصول القواعد العامة العادية . ومن هذه المفاهيم : -
ماشَرْ جہطہذ --- سلام
بارْتْ ءہذز --- اتحاد ، اتفاق
جُوولامْ أسثہج (بالجيم المصرية) --- اجتماع
هونس ص²خحر --- غنيمة
بيقْخَم(بيقام) ءإتصہج ---عقاب ،قصاص
قيتاتشو تصإزہطخ --- مؤتمر ، لقاء
تشيرا ײبذہ --- ثأر
تْسيتّاض²إززہ --- غنيمة حرب أو نصب تذكارية لانتصار
قخيلْ تصإث --- قضاء ، حكم ،فتوى
تام(تَمْ) زہج --- مصالحة ، جزاء ، مكافأة ، جائزة
تيشامْ زإطہج --- ثقة، عهد
تِيْشْ زإط --- شاهد
تْوْيشَلاّ زخـطہثثہ --- شهادة ، بيّنة ،برهان
تَلَّمْ زہثثہج --- بحث ، استقصاء
قَيْلِيْهْ تعہةثإ --- كتمان ،سِرِّية

وغير ذلك الكثير من المفاهيم ، التي تحدد مراحل متباينة من العلاقاتالمنظمة.
وابتدع الشيشان أيضا جهازا تنظيميا اجتماعيا دقيقا للظروف والأحوالالتالية : توجيه اللوم للخصم – الإعلان عن الحرب – عقد اتفاقات سلام – حل المشاكلعن طريق التحكيم – الفصل في النزاعات . إضافة إلى ذلك قاموا بسن قوانين ووضع أساليبضرورية عند التجهيز للحرب . كما كانت لدبهم قواعد وأصول مدروسة بصرامة لحالات قبولالأعضاء في العشيرة ، وبمعنى أوسع عند قبول الجنسية ، ومنها أيضا حق الاحتماء أواللجوء إلى العشيرة وكذلك تسليم المجرمين .. ألخ .
إن نقض العهد والغدر والهجومالمباغت قوبلت كلها باستنكار كبير من قبل المجتمع كله . واعتبر الشيشان الابتعاد أوالتخلي عن الحلفاء أيام المحن والحروب أو أوقات الضيق والشدة بأنه شيء غير جديربالاحترام .
وافتخر الشيشان دائما باستقامتهم وشجبوا بقوة غدر ومكر أعدائهم ،وبالمقابل عظموا كل شخص مات بشرف ، وكل شخص ثبت على رأيه وأدى واجبه لتقوية عرىالصداقة والتفاهم مع الآخرين .
وأرجح الظن بأنه كان لدى الشيشان منذ زمن بعيدتقويم أسبوعي بأسماء لجميعأيام الأسبوع وبتنظيم دقيق . وهذا التقويم كالآتي :
تَخنا زہصحہ --- في هذا اليوم
قْخَانا تصہحہ --- غداً
لَمَا ثہجہ --- بعدغد
أُولا سثہ --- بعد بعد غد
تْسُوكا ض²ستہ --- بعد أربعة أيام
تْسَاسْتاض²ہرزہ --- بعد خمسة أيام
تْسُومُوكا ض²سجختہ --- بعد ستة أيام
كِيْرا ت²بذہ --- أسبوع
ارتبطت هذه التسميات بأسماء آلهة الوايناخ وبشعائرهم الدينية .
كما كان الشيشان على بينة ومعرفة بالجهات الجغرافية الأربعة . فهم يسمون هذهالجهات كما يلي :
مالْخْبالِيْهْ جہثصءہثإ --- شرق
مالْخْبُوزِيْهْ جہثصءساإ --- غرب
قِيلْبْسِيْدَه تعبثءرإؤہ --- شمال
قِيْلْبيْهْ تعبثءإ --- جنوب
قيْلْبَهْ تعبثءہ --- بوصلة
نستدل من كل هذا على المستوى الرفيع من التطورالثقافي لشعب الوايناخ (الشيشان-إنجوش) في تلك الحقبة من الزمن . اعتبر كل شيشانيعز ومجد عشيرته من كفاءاته الشخصية قبل أي شيء آخر . أي أنه كان له الدور الفاعل فيهذا المجال. " وقامت العشيرة بدورها بتأمين السلامة والأمن لكل فرد من أفرادالعشيرة ، لأنها شغلت في ذلك الزمن المكانة التي شغلته الدولة فيما بعد ؛ نظرا لماتمتعت به العشيرة من الأعداد البشرية الكافية لكي تجعل حماية نفسها ذات فعالية " *.
وجد لدى الشيشان أيضا طقس ديني كان يجرب به الرجل لمعرفة مدى تحمله للشدائد .-كانت تحرق قطعة من الصوفان في كف يده اسفل إصبع الإبهام ت²خئہج ءہأخذ . ومنالمحتمل أن تكون هذه العادة واحدة من الطقوس الدينية التذكارية كعملية الختان، نشأتعند الشيشان منذ غابر العصور . وباجتيازه لهذه التجربة انتقل الشاب إلى صفوفالجماعة الأكبر سناً في العشيرة . خضع لهذه العملية الأطفال وهم في سن 7-8 سنوات ،أي في تلك الفترة التي كما يقول الشيشان أنفسهم - يكون فيها الطفل في حالة يستطيععندها رفع العصا .
انتشرت عند الشيشان أيضا عادة إلحاق التهمة (كَارْلَغا) ت²ہذثہأ²ہ أو فوي قْخَايْقْخَادارْ شسة-تصہةتصہؤہذ وهي أن يُنعت بمسبات شعبية كلشخص قام بعمل ضار ومناف للقيم الاجتماعية ، مثل حلف يمين كاذبة، أو قطع شجرة مثمرة .. وهكذا.
حفظت هذه العادات والتقاليد المتوارثة عن الأجداد ، والمتكونة في ظلظروف اجتماعية – اقتصادية معينة . وحصرت كل فرد في المجتمع داخل إطار شديد من قواعدالآداب والسلوك . كما سمحـت هذه الأنظمـة من القوانين القضائية والدلائل الدنيويةأن يُساق المتهم إلى الحكم العام وإدانته، ومن ثم نبذه وطرده من المجتمع . لكتها لمتسمح أبدا بسلب حقوقه العينية والمادية .
وهكذا استطاع الشيشان في صراعهم معالحياة وضد الحروب المستمرة ، ومن أجل البقاء أن يضعوا قوانين وأسس حياة ومعيشةمعينة ، أدت بمجملها إلى تقوية الشعور الوطني الفردي ورفع العزيمة فيه .
إن قوةوثبات ميزة الصبغة الوطنية هذه مكّنت هذا الشعب من أن ينقل ويمزج كل تلك القوانينوالأنظمة والعادات والتقاليد وخلال عقود ، مع الواقع الاجتماعي الجديد لزمنناالحاضر .
غير أننا نلاحظ عدم قدرة المؤسسات العشائرية حتى في بداية القرن السادسعشر، على أن تحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المعقدة ، والاحتياجات السياسيةللمجتمع الشيشاني في تلك الحقبة . وبدأت محاولات من أجل خلق مؤسسات أو أشكال مؤسساتقضائية عشائرية ، تكون أكثر تطوراً ومقدرة على تخليص المجتمع من العوائق السائدةفيه . واستمرت هذه المحاولات طويلا جداً . والأهم من ذلك أنها جرت في أوضاع تناقضتوتعقدت معها العوامل الاجتماعية والاقتصادية بشكل واسع .

--------------------------------------------------------------
* (
مورغان ل.ج./المجتمع القديم ، دار نشر معهد شعوب الشمال ، لينينغراد ، ص46 ، 1935 ) .

القسم الخامس

التفكك العشائري

بعد إمعان النظر في مجمل العادات والتقاليد ، والتعرف عليها ورصد انعكاساتها العملية في الحياة . وجب علينا التأكيد على طبيعتها المستندة إلى شكل الملكية الاجتماعية، لكونها عبرت وبدون شك عن مصالح طبقة اجتماعية معينة ( رؤساء العشائر ) ، التي استولت على السلطة في المجتمع .

في واقع الحال لم تكن العادات تحمي حقوق الناس جميعهم بالتساوي ، بل كان على أفراد العشيرة تقديم العون والمساعدة للزعماء وذوي النفوذ . أما الفقراء والمعوزون فقد كانوا يساعدون بعضهم بعضا. وهذا الشيء انطبق على كل العشائر قوية كانت أم ضعيفة .

وهكذا اتصفت العادات والقوانين بالصبغة الطبقية. وتميزت عناصر هذه الطبقة الأنانية للعشيرة في مواقفها السلبية تجاه حقوق المرأة وحريتها من الاشتراك في الحياة الاجتماعية لعشيرتها. كما جردت الشباب من حقوقهم أمام الزعماء وكبار شيوخ العشيرة.

 ترسخت هذه الميزات، بحيث أصبحت بالنسبة للشيشاني وكأنها وُلدت ونشأت معه ولا مفر منها. والشيشاني لم يع آنذاك، أو يدرك، بأن ما يحصل هو نتيجة ظهور الامتيازات وعدم المساواة الاجتماعية في تاريخه . ويظن البعض حتى الآن، بأن إعادة النساء أو إبقائهن في إطار العلاقات الاجتماعية الماضية، وفي طي ظلماتها هو أمر مثالي وجدير أن يُعمل به. ويوجد مع الأسف أناس لا زالوا متعلقين بالماضي بحماس شديد، ويريدون الحد من مشاركة المرأة في حياة البلاد الاجتماعية، والسياسية. فهم لا يريدون الاعتراف بأن في ذلك اضطهاد وتعسف طبقي ضد وضع المرأة ذات الحقوق المهضومة.

إن تطور وازدهار المجتمع الشيشاني كان تطور لأحد الأطراف على حساب أطراف أخرى واضطهادها. وتآكل المجتمع الشيشاني بالتناقضات الداخلية. أما عند الشعور بالخطر الخارجي العام، فقد عادت جميع العشائر والفئات المختلفة ملتحمة للوقوف أمام هذا الخطر.

ومن الطبيعي أن المجتمع الشيشاني في تلك المرحلة لم يعرف الأشكال الحادة للنضال الطبقي، كما يريد البعض إثبات عكس ذلك. فبالنسبة لهذا المجتمع، كان من الغريب ومن المستهجن ومخالِفا لقواعده الذاتية تحويل الناس إلى عبيد، والاستيلاء على أملاك الغير بالقوة. بيد أن العشيرة الشيشانية في نظامها الأبوي Patriarchaكانت تربة ملائمة لنمو بذور السلوك الاجتماعي، لتمد فيها جذورا عميقة. فسلطة زعماء العشائر والاتجاهات الفردية والخاصة لبعض خلايا البناء العشائري، ووضع المرأة الهزيل، أدت منذ البداية إلى تآكل اجتماعي نخر جسم العشيرة الشيشانية. كان ذلك في نهاية القرن السادس عشر. هذا التآكل شق طريقه بقوة مع حركة التاريخ خطوة بعد خطوة... أدى في النهاية إلى تمييز طبقي حاد، وكفاح لا يقبل المهادنة.

على الرغم من أن كل ما انبثق عن التركيب الاجتماعي - الاقتصادي للمجتمع العشائري في تلك الحقبة من الزمن جاء طبيعيا وعاديا، إلا أنه أصبح في المرحلة الحالية مادة لإعاقة كل تقدم وازدهار. فقد تحولت العادات وبصورة مباشرة إلى عوامل معرقلة ومضادة، وآلت إلى صور سلبية في حد ذاتها؛ لأن وسائل الإنتاج لم يكن في مقدورها التطور في ظل الأشكال القديمة لها، وفي إطار البناء العشائري البطريركي والاقتصاد نفسه، وكذلك في ظل المؤسسة القضائية العشائرية المحافِظة.

وجب على الأنظمة الحقوقية أن تفسح المجال لتشكُّل بناء حقوقي آخر، ينمو بنفسه وينشأ في أحشائها. لقد ظهرت في بلاد الشيشان على أنقاض المجتمع العشائري المتحلل ( المتفكك ) عناصر ضخمة من ملاكي الأراضي، وكبار مربي الماشية، والنبلاء تجار العبيد.

تبين المراجع في سياق الحديث عن التراكيب الاجتماعية - الاقتصادية، بأن مشكلة الإماء أو الرِّق هي قبل كل شيء مشكلة ظهور الطبقية. غير أنها تؤكد بأن التركيبة العبودية لم تمن شيئاً عاماً، حيث يثبت المؤرخون عدم مرور الشعوب القديمة من الألمان، والكليت، والاسكندناف، والسلاف، بمرحلة التركيبة العبودية على الإطلاق. وأن الطبقية بدأت عندهم مباشرة بعد ظهور الإقطاعية.

وهذا لا يعني مطلقا، بأن الكليت والسلاف لم يعرفوا الرِّق والاسترقاق. إذ لا يمكن أن يحدث تفكك في مجتمع ما قَبلَ الطبقي دون عملية استرقاق، حيث من هذا المجتمع بالذات بدأ تشكل الشعوب والمجتمعات ( العشائر) المختلفة، ونشأ كيانها الاجتماعي. لكن الإماء لم يتطور عند هذه الشعوب، ولم يبلغ مراحله الكاملة ومعناه الحقيقي الاجتماعي والاقتصادي.

وبالنسبة للتاريخ الشيشاني أيضاً ليست هذه الحالة بغريبة. إذ ظهرت عندهم ملكية وسائل الإنتاج الخاصة، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، كعمليتين متوازيتين.

إن ظهور العلاقات الإنتاجية الجديدة بين الناس، وتطور القوى المنتِجة، الذي طرأ على إثرها، أدّى إلى انحلال أو تفكك المجتمع العشائري الشيشاني، وساعد على ظهور كل من السيد والعبد على مسرح العلاقات الاجتماعية. وبدأ الصراع من أجل الاستحواذ على قوة الإنسان وعمله، والذي كان يجب أن يوظف أو ينظم إلى وسائل إنتاجية. ومنذ الآن أصبح من ضروريات الحياة أن يستولي السيد والنبيل على الثروات المكتسبة للعشيرة، عبر عقود من الزمن، وأن يصبح المالك الحقيقي لها. وطبقا لذلك أدار اقتصاده بقوة عمل العبيد.

وهكذا ومع زيادة استغلال عمل الناس استفاد (الأسياد والنبلاء) بشكل أكبر. أما عامة الناس من العشيرة، فقد أبدوا مقاومة عنيفة بوجه هذه المحاولات العدوانية من قِبل الزعماء، الهادفة إلى الاستيلاء على ممتلكاتهم، واستغلال قوة عملهم. إلاّ أن هذه الفئة الدنيا لم تستطع أن تحافظ وتدافع عن وسائل الإنتاج السابقة، فالتاريخ قام بفعلته الاجتماعية الجبارة. وظهرت مرحلة نزع الملكية الجماعية للعشيرة Expropriation؛ هذه العملية التي سارت إلى الأمام، على قاعدة الاستغلال والسرقة والغدر والمكر، هي نفسها التي سار على هداها المجتمع الطبقي المتمدن الجديد.

اتسع الصراع العنيف بين مختلف طبقات المجتمع وازداد حدّة. وشمل مختلف نواحي الحياة  للمجتمع العشائري الشيشاني، ومن ثَم تناول شكل النزاعات والخلافات الاجتماعية المكشوفة فيما بين العشائر، وداخل العشيرة الواحدة. ومن الأمثلة على ذلك الخلافات التي دارت بين جيلي أإثب (بالجيم المصرية) من عشيرة بادْخَروي  و  توسْخَرو زسرصہذخ من عشيرة ديشني، التي تطورت إلى معارك، والغزوات المتكررة ما بين جوكالو بوتَغا من عشيرة مْعَايْسْتوي  و بين خوْفْسُور وتُوشي من عشيرتي شيدَلوي وباتْسْبي على الترتيب. كان هدف هذه النزاعات هو الاستيلاء على الأراضي والمواشي، واتخاذ الأسرى كعبيد. كانت مسألة حيازة الأرض أمر لا يصدق، والفقر كان مدقعاً. والأرض لم تكن تكفي البعض حتى لدفن موتاهم.

يُحدِّث الشيخ إيجيش قائلا : " قبل حوالي 190-200 سنة كانت عشيرة ديشني من أقوى العشائر على ضفاف نهرأرغون (إيتوم - كال). وكانت تملك أراض شاسعة، وعلى رأسها زعيمها أوسور، من عشيرة توسْخَروي. وهؤلاء كانوا يبقون ماشيتهم في فصل الشتاء عند عشيرة بادْخَروي، من قرية إيتوم - كال، لتقوم برعيها مرغَمة، ثم إعادتها في نهاية فصل الشتاء كاملة، مع كل المواليد الجديدة، ودفع تعويضات عن أي خسارة تحل بالماشية خلال فترة الرعي. ومع مرور الزمن لم يعد باستطاعة البادْخَروي تحمل هذا الوضع الصعب والمهين، وثاروا على عشيرة ديشني بقيادة زعيمهم جيلي بن إيتون، ودحروهم بمساعدة أمير من الأوار ( وهي إحدى القبائل الداغستانية-المترجم) ". ويتابع الشيخ إيجيش قائلا : " وعندما استلمت عشيرة بادْخَروي زمام الأمور، قامت بدورها استغلال واضطهاد غيرها من العشائر، كعشائر تُوْسْخَروي وخاراتشوي وزومْسوي. وكانت العشائر التي لا تمتلك أرضاً مثل عشيرة باتشاجوي وتْسَاتْسانْخوي يعملون لديهم كأقنان ". ومن أجل تأكيد حديثه يضيف الشيخ إيجيش بأنه توجد بقرب قرية إيتوم - كال، مقبرة تسمى " نانادْ - كَشْ " حہحہؤ-تہط ، أي مقبرة الأم. دفن فيها كل من اشترك ومات في هذه المعارك الضارية " (1) . قد تفتقر هذه الأحاديث إلى إثباتات في وقتنا الحالي، إلا أنها تعكس حقيقة تاريخية معينة. أما المغزى الاجتماعي لكل ذلك فهو بداية حروب اقتصادية قوية من قبل الزمرة العليا، للسيطرة التامة على السلطة في المجتمع.

---------------------------------------------

 (1) أنظر أرشيف "المعهد الشيشاني للبحوث العلمية في التاريخ واللغة والأدب" ،رقم 272، 1933

لم تؤد عملية تحلل وتفكك المجتمع العشائري الشيشاني هذا إلى - " تملك الزمرة العليا لجميع وسائل الإنتاج فحسب ( ولو أنها كانت محدودة في ذلك الزمن)، ولكن أيضاً إلى اضطهاد وتملك الناس أنفسهم أيضاً " (1).

وعلى هذا النحو، وفي نهاية القرن السابع عشر، تجزأ التكوين الاجتماعي المجتمع الشيشاني، هذا المجتمع الذي لم يعرف التقسيم الطبقي بشكله الواضح بعد، وكوّن مجتمعا مؤلفا من فئات مختلفة اجتماعياً، ترتبط بعلاقات صراع ونزاع مع بعضها البعض.

وهكذا أيضا كان الصراع قائما حتى ما قبل بداية القرن السابع عشر بقليل، بـين العشائر المختلفة مثل عشيرتي كيرْدوي ونيكَروي. كما كانت التناحرات شديدة ما بين الشيشان وغيرهم من القبائل والشعوب المجاورة، مثل شيدَلوي ( الخيفسور) * ، والباتْسْبي ( التُّوشين)، والكباردين، والكوميك، والكالميك، وغيرهم. وغالبا ما كانت تَترك مثل هذه الحروب آثاراً تترجم إلى ثقافة، كالأغاني والأساطير الشعبية الشيشانية. ومن هذه الآثار - موقعة " جوكالو ". وجوكالو هذا بطل أسطوري عظيم من أقوى مجتمع شيشاني ظهر في ذلك الحين، وهي عشيرةمْعايْسْتي ج²ہةرزبة . وكان صراعه موجها ضد الباتسبيين، الذين خسروا في هذه المعركة 18 خيالا، وأصبحوا فيما بعد يعملون لدى جوكالو ** والمعايستوي، مع انهم كانوا أنفسهم يحتقرون هذا العمل، إلا أنهم شعروا بجدوى القنانة والاستفادة من الأسرى الرجال في الأعمال المختلفة.

وهكذا أخذت تظهر في بلاد الشيشان و الإنجوش وبوضوح عشائر قوية، وعشائر ضعيفة، سميت الأولى بالحرة، والثانية بعشائر القنانة... وكان يتبع القنانة *** بشكل رئيسي الأيتام  والمساكين،  وأبناء الناس الضعفاء، وعديمي الحيلة. وكان هؤلاء  يُستَغَلَّون في تربية الماشية وفلاحة الأرض... الخ. (2) . إلا أنه " كان هنالك فارقاً كبيراً بين العبد والأسير (على الرغم من وحدة أحوالهم العامة)، وهو أن الأسير يمكن أن يُشتَرى أو يُعاد إلى وطنه. أما العبد، والذي نسي تماماً أصله وفصله، لم يعد تربط بينه وبينهما أية صلة. وشكل جزءاً واحداً مع سيده" (3) . وفي سنوات الجوع والقحط، اضطُر الناس الفقراء بمبادلة أحد أفراد الأسرة من أبنائهممقابل الغذاء، وذلك للعمل عند أصحاب الأراضي والمزارع؛ لا لشيء سوى إنقاذ بقية العائلة من غائلة الجوع والموت (4). وهكذا تقريبا تكونت الطبقة السفلى من المجتمع في بلاد الشيشان.

" وفي عام 1867، ثارت جماهير الشيشان على الحكم القيصري، الذي كان يشجع تلك الأعمال، وأجبرته على تغيير هذه الأنظمة التعسفية ضد الجبليين القوقاز"(5)، ونتيجة لذلك فقد تم في نفس السنة إعتاق وتحرير 300 عبد في بلاد الشيشان (6).

إن الاستعباد والقنانة لم يصلا في هذه المنطقة إلى مرحلة الازدهار والقوة. كما ولم يصلا إلى بنيتهما المنظورة تلك، التي تؤدي إلى تكونها الاجتماعي - السياسي التام. حيث تم دفن عملية الاستعباد في باكورة مراحل نموها، كمل حصل في بلاد القبرطاي، مثلا. يبقى السؤال هنا : لماذا يا ترى لم يزدهر الاستعباد ولم يتطور في بلاد الشيشان حتى مراحله التالية ؟.

--------------------------------------------------------------

وهي إحدى القبائل الشيشانية الموجودة في جمهورية جو رجيا التي تحد الشيشان من الجنوب /عن أحمد سليمانوف ج4 ، ص272 ، 1978 المترجم

** بيرْجيْهْ ، الشيشان والبلاد الشيشانية ، ص140 ، تفليس ، 1859  .

*** وهي من أشكال الاستعباد والبيع والشراء أو الإهداء المترجم

(1) من سجلات أرشيف المعهد الشيشاني للأبحاث العلمية في التاريخ واللغة والأدب ، رقم272 ، ص64،1932 

(2)خَرادْزِه ، رَبَكِيدْزِهْ . طبيعة علاقات المُلكية في منطقة الإنجوش الجبلية ، مجموعة مقالات اتنوغرافية، ج2 ، ص132 ، تفليس ، 1968 .

(3)لِينْتوفيتش أ. ، عادات الجبليين القوقاز ، ج2 ، ص80-81 ، تفليس ، 1883 .

(4) لاؤداييف ، القبائل الشيشانية ، مجموعة مقالات عن الجبليين القوقاز ، الإصدار السادس ، ص14، تفليس، 1872 .

(5) تاريخالاتحاد السوفييتي ، ج2 ، الطبعة الثانية عشرة ، ص246 ، 1952

(6) غرابوفسكي ن. ، مجموعة مقالات وأخبار عن الجبليين القوقاز ، الإصدار الثالث ، ص13-14 ، تفليس، 1952 .

القسم السادس

الصراع الاجتماعي داخل العشيرة

حدثت في المرحلة مجال البحث صراعات اقتصادية فريدة من نوعها ، أدت في النهاية إلى تعزيز القوة الاقتصادية لبعض العشائر على حساب العشائر الأخرى . ومما يجدر ذكره بأن الغنائم لم تكن توزع في نهاية الأمر على جميع أفراد العشيرة مثلما كان مفروض أن توزع ، وإنما بين أؤلئك الذين اشتركوا مباشرة في عملية النهب. وحصل القادة على نصيب الأسد ؛ مما نتج عنه ظهور جماعات متميّزة من حيث الغنى والقوة المادّية . وعلى هذا النحو استحالت الغنائم إلى "مصادر لاكتناز الأموال الأولية "  - وهذه أصبحت بدورها أساسا للتقسيمات الجديدة داخل العشيرة مثل قوي، وضعيف .

يتذكر الشعب الشيشاني بعض قواد الحروب التاريخيين ، الذين اشتهروا في هذه المرحلة من التاريخ مثل بيزي مُوسُوْسْتْ БИЗИН  МУСОСТ ، زايْتي شاخْمِيرْزا ЗАЙТИН ШИХМИРЗА، آدي سُوْرْخُو АДИН СУРХО، داداДАДА (مؤسس قرية دادي - يورت المشهورة ) ، جوكَلا ЖОКАЛА(مؤسس بلدة جوكَلا - يورت) ، بْعاتْشِي БІАЧИЙ(مؤسس قرية بعاتشي - يورت ) ، تْشُوليغا ЧУЛИГА(مؤسس بلدة تشوليغا - يورت) .. وغيرهم ممن كان لهم الأثر الفعال في تعجيل عملية التقسيمات الجديدة داخل العشيرة ، من حيث ملكية الأراضي والأشياء الثمينة المتنوعة . وهكذا تكونت طبقة الأغنياء والنبلاء، منهم على سبيل المثال العائلات الشيشانية التالية : تشوليكوف ЧУЛИКОВ، شامورْزاييف ШАМУРЗАЕВ ، سارالِييف САРАЛИЕВ ، إلْمورْزاييف ЭЛМУРЗАЕВ . . وغيرها ممن اشتهر أجدادها القدامى كقواد وزعماء .

نحن لا ندعي إطلاقاً بأن تفكك أو تفسخ العشائر الشيشانية كان نتيجة أعمال السلب والنهب والغارات والنزاعات المختلفة ، لا ، لكننا نريد التأكيد على أن تلك الوقائع كانت من العوامل الرئيسة التي ساعدت على عملية التفكك .

ومن المعلوم أن الملكية الأساسية لوسائل الإنتاج في البناء العشائري الباترونيميليست ملكية خاصة ، بل ملكية عشائرية عامة - باترونيمية *. وهذا أيضا يدل على تواجد عناصر طبقية متضادة.

تحولت الغارات إلى حالات سلب ونهب على أسس منتظمة . وهكذا أصبح النهب والسلب ، الذي اعتُبر في السابق حسب العادات والتقاليد عملا محتقرا وجريمة بشعة ، وعوقب مرتكبها بأشد العقوبات ؛ أصبح مع مرور الزمن مفخرة وموضوع مباهاة ، واتخذ مكانا خاصا في المجتمع .

--------------------------------------------------------------

* الباترونيميا   تعني دلالة النسب من اسم الأب أو الأسرة /المترجم

وتحولت إلى مهنة منسقة بهدف الافتخار والتباهي بالغنى والثروة ، واعتبارها أعلى مراتب الخير . وأن سوء استعمال أنظمة القرابة القديمة كان هدفه تبرير عمليات السلب القسري للثروات " .

      كان من الممكن حسب الأعراف عند الشيشان أن يكون القائد الحربي من خارج العشيرة ؛ أي أنه ليس من الضروري أن يكون عضوا في العشيرة . بينما الزعيم كان لابد أن يكون من العشيرة عينها . أما الأشخاص ذوو المناصب الدينية أو الروحية فلم يملكوا الحق في تقلد منصب القائد الحربي . 

      أما داخل العشيرة الواحدة فقد تصرفت كل أسرة (عائلة) بأملاكها وأموالها كما شاءت، ومع مرور الزمن نمت مصالح كل عائلة بشكل منفصل عن مصالح العشيرة ككل . وهكذا قامت الأسر أو العائلات بتجزئة وتحطيم العشيرة من الداخل، لأنه كما يقول الفلاسفة:  يعتبر توزيع الإنتاج بالتساوي تقريبا أمر عادي ومقبول بطبيعة الحال في المجتمع العشائري أو الزراعي ذي ملكية الأرض الجماعية. وهذه مرحلة تاريخية تمر بها كل الشعوب ذات الثقافة . أما في ذلك المجتمع ، والذي يكون فيه توزيع الإنتاج بين أفراده بدرجة أو بأخرى غير متساوية - فذلك يصبح عاملا من عوامـل بدايـة تحلل هذا المجتمع  . كذلك من الواضح جدا ، أن توزيع ملكية الأرض الكبيرة يختلف دائما عن الأرض الصغيرة . فالأولى تعمل على خلق تضادات طبقية وظهور الأسياد، والعبيد، والملاكين الكبار، والرأسماليين، والفلاحين الصغار ، الذين لا حول لهم ولا قوة . وكذلك العمال الذين يعملون بالأجرة اليومية... وهكذا تتجزأ العشيرة الواحدة وعلى فترات إلى عائلات أو أسر من حيث الملكية. ينشأ الأغنياء والفقراء... وكيفما كان أفراد العشيرة متصادقين ومتكاثفين مع بعضهم البعض في ظروف الحياة المختلفة (الأفراح والأتراح وغيرها) ، إلا أن ذلك لا يمنع من نمو التفرقة وازدياد السخط بين هذه العائلات والأسر.

كانت الماشية هو المعيار الأساسي للقيمة ، حيث كانت تجري عمليات تبادلها مع مختلف ضروريات الحياة الأخرى . أي أن " الأبقار "، أدت عملها في بلاد الشيشان لمدة طويلة .

وعندما بدأ التبادل التجاري وانتشار رأس المال ، كون الأشخاص الذين اغتنوا بشكل فاحش وأصبحوا زعماء في عشائرهم طبقة الإقطاع الشيشان. لقد لاقى هؤلاءالدعم من قبل بعض العادات والتقاليد الشيشانية نفسها من جهة ، ومن قبل الحكومة القيصرية وإداراتها المختلفة، والمنتشرة في شتى مناطق القوقاز من جهة أخرى . لقد استخدمت هذه الحكومة دوما الإقطاعيين، والطبقة الرأسمالية من الشيشان، في تحقيق مآربها العدوانية لترويض الشعب الجبلي العامل وإخضاعه . كما استعانت بزعماء ووجهاء الطبقات العليا في جيشها ، وأعطت لهم وظائف إدارية ومنحتهم الألقاب والأوسمة ، إضافة إلى الأملاك والأراضي الضخمة . علاوة على ذلك قامت الحكومة بتعليم  أبناء هذه الطبقة العليا في المدارس الحربية الروسية.

حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، كان في بلاد الشيشان إقطاع ومُلاّك أراضي كبار، ونبلاء استغلوا كل إمكاناتهم من أجل تحقيق أهدافهم الاقتصادية والسياسية . ومن هؤلاء كثيرون ممن ملكوا معظم الأراضي بطريقة الاستيلاء عليها من أبناء الشعب الشيشاني الفقير . فمثلا كان في حوزة الملاك أورْتسا تشِيرْموييف 579 ديسْياتين (1) من الأراضي ، وجمال الدين موصطفينوف 400 د. ، وكاسوم كوروموف 585 د. ، ويوسف تشوليكوف 579 د. ، وبوتا شامورزاييف 400 د. ، وأحمد-خان إلمورزاييف 470 د. ، وسؤاد سارالييف 400 د. . وغيرهم (روزنامة تيرِك ، ص250 ، فلادي كوكاز ، 1894 ) . كما حصل حوالي 100 ضابط وموظف حكومي على أكثر من عشرة آلاف ديسياتين من أفضل الأراضي ومنهم : الخازوف 2800 د. ، تايمازوف 6550 د. ، تورولوف 2000 د.، إيلْداروف 1400 د. .. ألخ. وهكذا أصبحت الأراضي الصالحة للزراعة رغم ضآلتها ، والمنتشرة في أعالي الجبال وسفوحها في أيدي قلائل من الناس يمثلون الحكومة القيصرية والوجوه الأخرى المميزة (2) . ونتيجة لهذا النهب واغتصاب أفضل الأراضي من قبل الملاكين المحليين والكولاك (الإقطاع) ، عانى القسم الأكبر من الفلاحين الكادحين من الفقر والجوع، ومن ظروف الحياة القاسية الأخرى.

وهكذا أخذت جموع الشعب الفقيرة والمغلوبة على أمرها في الترحال، والتنقل من أجل طلب الرزق ... وحصلت عملية تشكل البلوريتاريا (الطبقة العاملة)، بين جموع الفلاحين الكادحة .

يوجد هناك رأي آخر حول تواجد الإقطاعية وطبقة النبلاء في المجتمع الشيشاني خلال القرن التاسع عشر . ومؤيدو هذا الرأي ينفون بشدة وجود الإقطاعية وطبقة النبلاء ، ويدّعون بأن هذه الطبقة لم توجد على الإطلاق عند الشيشان . ومن مؤيدي هذا الاتجاه الكاتب الشيشاني خالد أشاييف ХАЛИД 

---------------------------------------------

1-الديسْياتين (د)- وحدة قياس روسية قديمة تساوي الواحدة منها 1,09 هكتار ، أي حوالي عشرة دونمات ونيف ، عن الانسيكلوبيديا السوفييتية المترجم

2-غريستنكو ن. ، النمو الاقتصادي لبلاد الشيشان إنجوش حتى نهاية مرحلة الإصلاح ، غروزني ، 1963

АШАЕВ ، الذي يقول : " أن بلاد الشيشان دخلت مرحلة الثورة الاشتراكية ، وهي في حالة لم تعرف فيها الإقطاعية ولا حتى آثارها " *. إن نصيرو هذا الاتجاه لا يأتون بأية دلائل أو وقائع تثبت أقوالهم، بل يعتمدون عادة على أن " مَن مَثّل النبلاء والإقطاعيين الأوائل في بلاد الشيشان لم يكونوا من أصل شيشاني " . نعم ، هذا صحيح . إن أوائل الأمراء الإقطاعيين الذين ظهروا في بلاد الشيشان لم يكونوا شيشاناً، وحقيقة أيضاً بأن الشيشان حاربوا بشدة الإقطاعيين الكوميك (القوميق)، والكباردين (القبرطاي)، الذين حاولوا فرض سيطرتهم على الشعب الشيشاني . فمثلاً اندلع عام 1757 في البلاد الشيشانية عصيان وتمرد واسع ضد الإقطاع الدخلاء ، إلاّ أنه أُخمد بقوة جند القياصرة . ونال الشعب الذي لا يقهر عقاباً صارماً جزاءاً على ذلك، وتم إجباره بالقوة على قبول الإقطاعية الدخيلة، والرضوخ لسلطة زعمائه .

توجد وقائع تاريخية كثيرة تثبت وجود الإقطاع والمالكين الكبار ، الذين أخذ ورثتهم فيما بعد بكتابة رسائل لحكام القيصر ( ومنهم تشوليكوف سليمان)، يلتمسون منهم فيها إعادة أملاك آبائهم وأجدادهم ، التي فقدوها بسبب الحروب المدمِّرة الطويلة، وغزوات الإمام شامل ومُورِيْدِيْه ( أتباعه - المترجم) القساة .

ومما يجدر ذكره بأن رجال الدين وأصحاب المناصب الروحانية لم يتخلفوا بدورهم عن أعمال النهب للأراضي وامتلاكها بالقوة .  "ومنذ زمن بعيد والمساجد وما بحوزتها من أملاك وعقارات مختلفة ، الثابتة منها والمتنقلة (سهول القمح وقطعان الماشية والمراعي والأعلاف)، تتبع كلها باسم المسجد لأشخاص معينين " **.

وبالنسبة إلى الإمام شامل، الذي استلم السلطة والقيادة تحت راية الحركة الديموقراطية الواسعة ، قام في البداية بقمع وإخماد سلطة الخانات والبكوات، ثم عمل على إيجاد أرستقراطية جديدة خاصة به من النواب والمد راء وغيرهم ممن لم يترددوا في استخدام سلطاتهم لغايات جشعة . ويثبت ذلك الوثائق التاريخية التالية : في عام1893كتب سكان قرية "مارشين - كَلا " للسلطات الحاكمة آنذاك، رسالة يوضحون فيها بأن بوتكو عوماروف (وهو أحد نواب الإمام شامل)، كان يأخذ الأراضي لنفسه محولا إياها إلى أملاك خاصة ، بدل توزيعها على الناس الذين أوكلوه بتقسيمها فيما بينهم . وكان الإمام شامل نفسه يقوم بتوزيع الأراضي وقطعان الماشية والممتلكات

--------------------------------------------------------------

* أشاييف خ. ، نبذة عن بداية الحركة الثورية في بلاد الشيشان ،ص16،دار سيرلو للطباعة والنشر،غروزني،1963

** إفانينكو ن.، مجموعة مقالات "تيرك" ، مصدر7، ص88، فلادي قفقاس، 1910

الأخرى ، التي استولى عليها من الخانات على نوابه ومد رائه ، إضافة لمنحه إياهم الامتيازات والتسهيلات الأخرى لاستعمال الأراضي ككل . وبهذه الطريقة تحول النواب بشكل فعلي وحقوقي إلى طبقة أرستقراطية جديدة . وغدا بقية الشعب الفقير تحت رحمتهم وسلطانهم . وأصبحت إمامة شامل عبارة عن هيئة للتحكم، والسيادة بشكل جائر. وأدى هذا التحول بالذات إلى سقوط دولة الإمام شامل وتحلل نظامه ، كما أدى إلى أضعاف مقاومة الجبليين في حروبهم ضد الحكم القيصري المطلق .

رافق عملية التحول الطبقي السريعة هذه مقاومات عديدة من قبل الفلاحين ضد مستغليهم الجدد . وشاهد تاريخ " إمامة الشيخ شامل " أكثر من انتفاضة مسلحة ضده من قبل الفلاحين الشيشان . ولا ريب في أن نوابه قَمعوا هذه الانتفاضات بكل وحشية وقسوة، كما وأن الإمام ونوابه قد أبادوا قرى شيشانية  بأكملها ، وقتلوا كل من عارض حكمه وكل من لم يدخل في إمامته (1) .

في الحقيقة لم يكن هدف سياسة الإمام شامل ، كما يحاول البعض إثباته وعلى أسس غير علمية -القضاء على الملكية الخاصة، وتقسيم الأشياء بين الناس بالتساوي، وتحقيق العدل بينهم ، أو أن الإمـام كان يدعو إلى التحرر الاجتماعي . بل على النقيض من ذلك خلق نظامه التيوقراطي Theocracy * كل الإمكانات لكي يجعل بعضا من نوابه وقضاته من الأثرياء والأغنياء ، مما أدّى في النهاية إلى انفصال كثير من أتباعه عنه، وابتعاد الكثيرين من حوله .

ماذا فعلت الحكومة القيصرية بهذا الصدد ؟

- يمكن الإجابة على هذا السؤال إذا اطلعنا على ما قاله الأمير بارياتينسكي:- "ينبغي قبل كل شيء السعي إلى إعادة إحياء الفئة والطبقة العليا... هناك ، حيث لا تزال آثارها موجودة بهذا القدر أو ذاك . وينبغي أيضاً  وضع نظام أو أسلوب حكـم فعـال... هناك، حيث هو غير قائم " ** .

ومن أجل تحقيق ذلك منحت الحكومة القيصرية العائلات والأسر الشيشانية المميَّزة إقطاعيات كثيرة من الأراضي ، بينما كانت حصة الفلاح العادي الذي يقوم بفلاحة وزراعة الأرض فعليا محدودة جداً .

ومن أسباب عدم وضوح مسألة فيما إذا وجدت الإقطاعية الأرستقراطية أو لم يكن لها وجود في المجتمع الشيشاني ، هو - عدم وضوح شكل أو مظهر الإقطاعية في الأدب التاريخي الروسي للقرن التاسع عشر . وكذلك إلى الرغبة الجامحة لكل

-------------------------------------------------

(1) مجموعة مقالات عسكرية ، رقم 7 ، ج 27 ، ص392 ،1962

*   التيوقراطية - هو نظام يسيطر عليه رجال الدين ( نظام روحاني) المترجم

** بوتكوف ب. ، معلومات ومصادر عن التاريخ الحديث للقفقاس ، ج1 ، ص37 ، 1869

عضو من أعضاء العشيرة الشيشانية، ورغم كل شيء، بأن يُدعى بالشيشاني الحر "سو إوْزْدا نُوخْتشو وُو" СО ОЬЗДА НОХЧО ВУ (أي أنا شيشاني حر)، غير راض بأن يكون في محيطه لا العبد ولا السيد . وفي الوقت نفسه استمر التاريخ في صنع عمليته الكبيرة ، والتي كانت نتيجتها استيلاء العائلات والأسر القوية ، التي اشتهرت بتجارتها الواسعة على أغلب الأراضي وأفضلها. وبذلك بقي الجزء الرئيس من السكان دون أرض على الإطلاق، وفي فقر مدقع .

لقد وُجد البناء العشائري الشيشاني بذات الطريقة، وفي نفس الظروف الملائمة لتدميره أيضاً .

وبعد أن أُرهِقت بلاد الشيشان من قبل القياصرة الروس ، أصبحت تدخل في فلك الرأسمالية ، بعد أن انهارت دولة الإمام شامل الحربية - الإكليركية (1) ، تاركة البلاد تعج في فوضى من الاضطهاد، والاستعمار، والفتنة . مما سمح لأمراء الحكومة القيصرية المطلَقة استلام زمام الأمور فيها .

كما ذكرنا سابقا عندما سيطر المستعمرون على بلاد الشيشان ، أخذوا يبحثون عن سند لهم من الملاكين وأصحاب الأراضي، ومن البرجوازيين القوميين ، من أجل تحقيـق مآربهم العدوانية . ولم يجدوا صعوبة في تحقيق ما يصبون إليه . إذ قسم الأعداء بين أنفسهم ثروات الشعب الشيشاني العامل.

وطبيعي أن هذا التطور السريع للرأسمالية أدى أيضاً إلى ضعف القومية الشيشانية المتحفظة ، وإلى تقارب الشعوب المختلفة . كما يلاحظ بأن هذه العملية حصلت في ظروف استعمارية قاسية جداً ، من ضمنها حرمان الشيشان من حقوقه الاجتماعية والوطنية .

لقد أوقعت الرأسمالية ضربة ساحقة وأخيرة بالتركيبة العشائرية الشيشانية في بلاد الشيشان . ولم يستطع أحد أن يوقف هذا الزحف الخطير للتمدن البربري . وكان على البناء العشائري أن ينهار . لم يعد بمقدوره العيش والبقاء ، لأن الأساس الذي كان يقوم عليه أخذ يتحطم .

وهكذا أخذت بلاد الشيشان، التي أصبحت مستعمرة للقيصرية المطلقة تدخل شيئاً فشيئاً في فلك العلاقات الإقطاعية - الرأسمالية الروسية .

-------------------------------------------------------------

 (1)الإكليركية - دولة أو نظام حربي يسيطر عليه رجال الدين (نظام روحاني) -المتر

القسم السابع

الطقوس الدينية العشائرية

كان اطلاعنا على النظام الديني للشيشان القدامى عاماً ، ذلك لأن وجهة نظرهم حيال الفلسفة الإلهية والعشائرية الدينيةTheology & Ceremony   مكتومة في طَي من الظلمات، تماماً شأن أنظمتهم الاجتماعية في تلك السنوات الغابرة . ومع ذلك يجب الاعتقاد بأن الشعائر والطقوس الدينية لشيشان العصور الوسطى كانت مرتبطة مع التنظيم العشائري الشائع لديهم ، وليس مع تنظيم الأُسرة . زعيم العشيرة " الحارس الإلهي " (الحارس الديني الأمين) ، كان هو نفسه الذي أدى وظيفة الكاهن .

اشتهرت كل عشيرة شيشانية بمقرها الديني الخاص ، والذي أقيمت فيه العبادات ومختلف الشعائر الدينية الأخرى . إن معبد تْسُو ЦІУالوثني، وغيره من الأماكن المقدسة، التي ما زالت قائمة، لهي دلائل قاطعة على ذلك . لقد تم إنشاء هذه المعابد في تلك المناطق التي كانت تقطنها العشائر، وكل عشيرة في منطقة.

كان الناس يأتون إلى المعابد ويقومون تحت أقواسها وقناطرها الكئيبة والمظلمة بتلاوة دعواتهم، طالبين من الآلهة الصامتة أن تهبهم محاصيل وفيرة وإكثار حيواناتهم الأليفة ، وإنجاب نسل قوي وصحي . وكانوا يقدمون القرابين لآلهتهم . بينما كان رجال الدين بدورهم ينشرون بين أوساط المتدينين فكرة كون الإنسان عبد للآلهة ، وبأن الشر والحزن هو مصير كل من يعمل على إهانتها . ومن أجل غفر الذنوب عادة ما أحضر الناس معهم مواشيهم ليقدموها قرابين يتم نحرها أمام المعبد، وإشعال شمعة، فإذا بقيت مشتعلة حتى النهاية فدليل السعادة. أما إذا انطفأت (وهذا ما كان يحصل في الغالب)، فنذير شؤم وغضب الآلهة ، حينها فما على الشخص إلاّ أن يأتي بجدي أو ثور آخر وينحره . ومن الطبيعي كانت أغلب هذه الأضاحي من نصيب الكهنة أو كبار رجال الدين.

وكعادة متبعة كان كل شخص يُحضر معه للأعياد بيرة من صنع منزلي تسمى- يِيّ ، مما يدل على أن الشعائر الدينية عند الشيشان كان يصاحبها الشراب .

توجد في منطقة غلانتشوج دِمنة * تسمى إيْلْتْ بْحارْخوي , وتتكون هذه التسمية من مقطعين هما : إيْلْتا أو إلْتا ЭЛТА- وهو إله الخصوبة عند الشيشان ، و بْحَا ПХЬА** -  قرية جبلية. كما توجد دِمنة أخرى تدعى سيْلا كُوْرْتْ ، وسيْلا СЕЛА- هو إله الرعد والبرق عند الشيشان ، أما كوْرْتْ КОРТ - فتعني الرأس أو القمة (مكان مميز على رأس جبل مثلاً) . وسكان هذه المنطقة يقولون: طيرْلُوي دِيلا*** - أي رب عشيرة طيرْلوي ، قينخوي ديلا- إي رب عشيرة قِيْنْخُوي ، كِيْرْدوي ديْلا... وهكذا.

--------------------------------------------------------------

* الدِّمنة- هي آثار الدار وما تلبد منها  ، قاموس محيط المحيط للبستاني . المقصود هنا أماكن الاستيطان الجذرية لهذه أو تلك من العشائر - المترجم

** بحَا-وتعني السهم أيضاً ، ومن هنا الثأر بالدم ، لأن القتل كان يحدث قديما بالقوس والسهم-المترجم

*** ديْلا - هكذا يسمي الشيشان الله ، وهكذا سموا قديما كبرى آلهتهم

تدل هذه المعطيات على أن العشيرة كانت آنذاك مركزا طبيعيا لتطور الديانة، لكونها تختص بأماكن للعبادة ولإقامة الشعائر الدينية. حيث تميزت كل عشيرة بشعائرها وطقوسها الدينية .

هكذا ظهرت في المجتمع الشيشاني الأفكار والمعتقدات الدينية ، وتحددت أشكال العبادة . وغالبا ما كانت هذه المعتقدات وأشكال العبادة تخرج من إطار العشيرة الواحدة لتشمل عشائر أخرى. فعلى سبيل المثال يحتفل الشيشان منذ الأزمنة الغابرة بفصل الربيع أو الأخدود الأول ، ويقومون باحترامه كعيد عام تقدم فيه ولائم سخية ويدع إليـه سائـر أعضاء القبيلة . وفي هذا الاحتفال الديني كانت تتلى الدعوات إلى الآلهة، وشكرها على النعم الموجودة . وحتى بعد قدوم الإسلام إلى بلاد الشيشان بقي لديهم بعض من آثار العبادة القديمة بأشكالها المختلفة منها : تقديس الحرم الديني القديم، وغيرها من الأماكن الدينية التي كانت معتبرة .

كما أعطى الشيشان في ظهر الإسلام أيضا تفاسير وتآويل أخرى لآلهتهم القديمة، والذين ما أرادوا نسيانها أو تركها . فقد استُبدِلت أسماء الآلهة القديمة بأسماء الشيوخ وأساتذة الدين الإسلامي. أما ربهم الأساسي - ديْلا ДЕЛА (إله الشمس)، أو رب العالمين، فقد بقي ربهم الواحد الكبير.

وحسب اعتقاد الشيشان عاشت آلهتهم القديمة على قمم الجبال ، وفي الأودية السحيقة وفي الكهوف وبين الصخور وفي المياه وفوق الغيوم . وباختصار سكنت آلهتهم الطبيعة الحية وغير الحية في هذا الكون . وليس عبثا أن يتساءل الشيشان : أين يا ترى بالضبط يسكن الله ؟ ويجيبون على تساؤلهم هذا : إنه في كل مكان وفي جميع أنحاء هذا الكون، كالقشدة والحليب معاً.

إن ضعف الإنسان أمام الطبيعة وعدم قدرته على مجابهتها ، وخوفه ورهبته من اليوم التالي، ولدت لدى أجداد الشيشان كغيرهم من الشعوب إحساس الإيمان بالخالق- بالله، وبوجود الشياطين وبالعجائب والغرائب .. الخ.

وما قبل الإسلام كان شعب الوايناخ يؤمن بتعدد الآلهة الكلاسيكية. وما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر اعتنق المسيحية. ومما يدل على ذلك المكتشفات الأثرية في البلاد.

وهكذا وحسب تأكيدات التاريخ اعتنق الشيشان بعد الوثنية الديانة المسيحية، ومن ثم الإسلام. وتدل بعض المعطيات بأنه حتى بعد الإسلام عاد الشيشان إلى ممارسة شعائرهم الوثنية التقليدية. وقبل حوالي ثلاثماية عام فقط أصبح شعب الوايناخ مسلماً ، مع الحفاظ على بعض عناصر الوثنية والمسيحية، والاستمرار بنفس الوقت في عبادة بعض الآلهة القديمة.

ومما يجدر ذكره بأنه في أواسط القرن التاسع عشر، واصل الشيشان تمسكهم وبقوة بالأنظمة والقوانين العادية، التي ولدتها معتقداتهم البدائية. ويذكر المؤرخ إفانينكو ن. س . : " منذ انتشار الإسلام في بلاد الشيشان، والصراع مستمرما بين القوانين والعادات التقليدية وبين الأحكام، التي جاءت بها الشريعة الإسلامية . ويبدو أن شعب الوايناخ لم يكن ممتثلاً كثيراً في اتباعه الأحكام الجديدة، وكان على صراع معها " * . ويشير في هذا الخصوص المؤرخ الشيشاني أومالات لاؤُداييف УМАЛАТ ЛАУДАЕВقائلاً : "لقد اختلطت معتقدات الشيشان الوثنية مع المعتقدات الإسلامية ، مما جعل من الصعب تمييز إحداها عن الأخرى ؛ لكونها قد صبغت بالصبغة العامة للإسلام " **.

وغير واع لما يحدث استمر الفلاح الشيشاني ومربي الماشية والحرفي، خلال حوالي ثلاثماية عام، في صراعه مع الديانة الجديدة ، مستخدما مذاهبه الوثنية كفكر قومي خاص به.

وحتى مع انتشار الديانة الإسلامية لم يتم القضاء نهائيا على المعتقدات القديمة الأخرى، بل أخذت الديانة الإسلامية في هذه المنطقة تنتقي هذه أو تلك من المعتقدات والشعائر الوثنية وتتبناها.

آمن الشعب الشيشاني بالأرواح الجيـدة والشريرة، بأشكالها المختـلفة. فعلى سبيل المثال كان البيت المسكون بالأرواح يسمى - طارَمْ ТАРАМ، والأرواح التي تسكن الجبال الصخرية ألْمَزْ АЛМАЗ، ومصاص الدماء - أُوْبَر УБАР ، والساحرة - يْيِشاب ЕШАП. ومن المعلوم أن هذه المعتقدات وجدت من قبل، وعرفها الشيشان قبل الإسلام أيضاً. وحسب اعتقاداتهم القديمة كذلك، كانت هذه الأرواح تستطيع أن تلحق الأذى أو الشر بالإنسان. فمثلاً كان مصاص الدماء هو من يقضي على الماشية، والساحرة تخطف الأطفال. والأرواح التي تسكن الجبال الصخرية تحول الشخص الطبيعي إلى مجنون، وتفنيه من الوجود. ولهذا السبب كان أجداد الشيشان يخاطبون الجبال، ويتضرعون إليها قائلين: " أيتها الجبال، أنعمي علينا نعمك ! واحفظي أطفالنا وماشيتنا، واحمينا من الشر والبؤس ".

كما اعتقد الشيشان بأن عظام الموتى ترسل الغيث وتحمي الزرع، وخصوصا إذا كانت قريبة من سطح الأرض . وهكذا يبدو بأن تعاليم الدين الإسلامي لم تجد في المراحل البدائية من انتشاره تجاوبا من قبل الإنسان الجبلي - الراعي والفلاح، الذي عاش آنذاك مؤمنا بفكره الديني الخاص، والمطابق لمستوى الفهم والإدراك الاجتماعي لذلك الزمن. كما بقي كثير من المفاهيم والأشكال الوثنية إلى الآن متناسقة، وبشكل عجيب، مع تعاليم الدين الإسلامي، الذي يعارض بحد ذاته هذه المفاهيم بشدة.

--------------------------------------------------------------

* إيفانينْكو ن. س. ، الشيشان الجبليون . مجموعة مقالات تيرْسْكي ، إصدار 7، ص51 ، فلادي قفقاس، 1910

** لاؤُداييف أ. ، قبائل الشيشان . مجموعة مقالات وأخبار عن الجبليين القوقاز، إصدار 6، ص23، تفليس،

القسم الثامن

وتموت الآلهة أيضا

اخترع الإنسان لنفسه في القرون الغابرة فأساً من الحجر ومحراثا خشبيا. ولاريب من أن هذه الاختراعات كانت في ذلك الزمن من المنجزات الهامة لتفدم وتطور المجتمع البشري. وفي أيامنا هذه فمن المضحك تصور قلع وقطع أشجار الغابات بالفؤوس المصنوعة من الحجر، أو حراثة الأراضي بمحاريث خشبية بدائية. لذا هنا سؤال يطرح نفسه : لِمَ لا يريد الناس، الذين اعترفوا بأنفسهم منذ فترة بعيدة بأنه من غير المعقول استخدام الفؤوس والمحاريث البدائية في أيامنا هذه؛ لِم لا يريدون الاعتراف بأن العادات والأعراف القديمة، التي جاءت مع هذه الأدوات وغيرها من مستلزمات ووسائل الإنتاج قد أصبحت أيضاً قديمة ؟! ولماذا يَعتبر هؤلاء بأن تغيير العادات والتقاليد القديمة غير المألوفة حاليا، وغير الصالحة، بأخرى جديدة ونافعة تواكب العصر المتطور، هو ضياع وخسارة فاجعة، بل وكارثة لثقافتهم القومية؟! أوَ لم تسر كل الشعوب والأقوام ومن ضمنها نحن الشيشان ولم نزل سائرين ونحن نبذل جل جهودنا، متحملين مختلف الآلام والمشقات وباذلين حتى الدماء، من أجل تذليل الصعاب وتجاوز التخلف ؟

نعم، فمع الزمن تموت الآلهة أيضا. أجل فلم تكن أعدادها قليلة على هذه البسيطة، وبالذات في موطن الشيشان. إذ بعد الآلهة الوثنية جاءت أخرى وبادت... وهكذا. الإنسان هو نفسه الذي بقي وعاش وتطور مع الزمن، وأصبح يدرك ما حوله من الأمور. عارض بعضها وساير الأخرى، واتبع مناهج اقتنع بها بنفسه، وتأكد من صلاحيتها عَبْر سبيله الشاق.

حاولوا الآن أن تقولوا لشيشاني مؤمن : اذهب إلى معبد تْسُو وصلِّ لإله الرعد، أو لإله الماء - سيجيبكم بأنكم مجانين. قولوا له : دعك من عادات وتقاليد الماضي، التي جاءت مع تلك الآلهة - سيغضب منكم أكثر، وسينبذ ما قلتموه بشدة، وكأنكم حاولتم المساس بكرامته وقيمه القومية.

قد يكون رد الفعل هذا ذو صفة خاصة، نتيجة ثبات وترسخ العادات القديمة. إلا أنه من جهة أخرى ليست الآلهة هي التي تموت فقط ؛ وإنما العادات وكذلك التقاليد- فالشيشان منذ زمن بعيد كفّوا عن تعليق حِدوة قديمة على مشارف بيوتهم، عثر عليها في الطريق المؤدية إلى البيت (لكي لا تذهب السعادة من بيتهم). كما ولا تعلَّق على أعمدة بيوتهم جماجم الخيول (لتحفظهم من العين الحسود)، ولا يستخدمون التدخين لشفاء مرضاهم. كما ولا يدمغون قدم الطفل بمسامير مصهورة على شكل صليب لعلاج الأمراض.

في الحقيقة تغيرت عادات الشيشان بأساليب شعبية وبمعان ودلالات صحية وسليمة. ومع ذلك نجد بأن العادات والتقاليد بأشكالها المختلفة تُولَد وتُرافق الشيشاني منذ ولادته ونشأته حتى مماته. وهذا لا ينطبق على الشيشان لوحدهم ، لا ! ولا حتى التنظيم العشائري هو سمة شيشانية يختصون بها دون سواهم.  يقول بهذا الصدد ل. مورغان : " إن كل أسرة في المجتمعات ما عدا البولينيزية*Polynesians، وصلت على ما يبدو إلى التنظيم العشائري. وكانت مُلزمة به ومدينة له، لأنه حافظ عليها وعمل على تقدمها " **.

حقا، اتصف كل شعب بتنظيمه العشائري ذي الملامح الخاصة به، معتمدا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية، التي لعبت كل منها دورا بارزا في توجهاته وفي سرعة تفككه وتحلله.

لقد بذلت السلطة السوفييتية كل جهودها من أجل التطور الاجتماعي والقومي لجميع شعوب الاتحاد السوفييتي، محاولة بذلك الحفاظ على كل طبائعها الوطنية والقومية الفريدة في ثقافتها وحياتها المعيشية، التي تراكمت خلال تطورها التاريخي وتميزت بها هذه الشعوب.

--------------------------------------------------------------

* البولينيزيون من بولينيزيا وهي جزر في المحيط الهادي مثل هاواي وساموا وتونجا وماركيزاس .. وغيرها . ومنشأ البولينيزيين له نظريات متباينة ، منها ما يقول بأنهم قدموا من البيرو Thor Heyrdahl أو من قارة آسيا أو من الهند . عن كتاب الشعوب والسكان /المعرفة ، تاريخ الحضارة ، 1985-المترجم

** مورغان ل. المجتمع القديم . دار النشر لمعهد الشمال ، ص61 ، لينينغراد ، 1935

القسم التاسع

تحلل(تفكك) العلاقات العشائرية

مضى وقت طويل منذ انحطاط البناء العشائري البطريركي، هذا البناء الذي ارتبط بقاؤه بتخلف القوى المنتجة البدائية، وبالطرق المتخلفة جدا في توزيع وسائل الإنتاج "، مع قلة أعداد السكان وتوفر الأراضي غير المملوكة ". ومن ناحية أخرى أخذت القوى الاجتماعية المنتجة تنمو بثبات. واستمرت على هذا النحو إلى أن وصلت إلى درجة من التطور، أصبحت عندها على تناقض شديد مع علاقات الإنتاج، التي انقلب دورها من المساعد على تطور القوى المنتجة إلى قيود وأغلال لها. ولم تتطابق هذه الدرجة من تطور القوى المنتجة مع البناء العشائري البطريركي. ولم يظهر عدم التطابق هذا دفعة واحدة. إذ استمر التأثير المعنوي والتفكير العقلاني المتوارث من الحياة الاجتماعية العشائرية على شكل من مخلفات الماضي. وبقي هذا التأثير طويلا. ولا تزال بعض أشكال الأفكار المتوارثة باقية في القرىالشيشانية الجبلية.

بقيت الأسس التي قامت عليها العادات تتحكم في حياة الشعب الشيشاني. حتى بعد دخول الإسلام واعتناق الشيشان تعاليمه، رفضوا بشكل قاطع الاعتراف به كشريعة بديلة لتلك العادات والتقاليد.

في إحدى رسائله الموجهة إلى الشعب الشيشاني كتب الإمام شامل بهذا الخصوص معنفا وموبخا يقول: " إن قمتُ بعمل ما يخالف الشريعة الإسلامية فلكم الحق أن تقتلوني في الحال. وإن أنتم قمتم بذلك سأقوم أنا بقطع رؤوسكم... لأن الشريعة تنادي بتجديد العقيدة وبالإيمان، وباعتناق الناس دينا واحدا يؤمنون به. أما أنتم فتقومون بأعمال مخالِفة تماما، والتي بسببها تستحقون عقابا صارما، سأنفذه بكم بكل عنف ".

فالشرائع الإسلامية كما ترجمها الدستور الإقطاعي، كانت من ضمن المفاهيم البعيدة كل البعد عن عادات وتقاليد الشعب الشيشاني. لذلك جاء القانون المتضمن للقضايا الجزائية صارما للغاية حسب تطبيق الشريعة. لهذا السبب بالذات وقف الشعب ضد الأساليب الجافة، التي كانت تتبع في تطبيق هذه المعتقدات.

هكذا نرى بأن القوانين والأنظمة العشائرية الشيشانية مثل سلطة زعماء العشيرة، ومنع الزواج بين أفراد العشيرة الواحدة، وتسمية العشائر بأسمائها الخاصة، وتواجد كل عشيرة في منطقة محددة، وعملية الأخذ بالثأر والتحام العشيرة وغيرها بقيت كما كانت عليه، ورسخت بقوة في الظروف الجديدة التي تميزت بقيام علاقات اقتصادية - اجتماعية مغايرة.

ومع مرور الزمن تغيرت هذه القوانين أيضا، متحولة من حيث الشكل إلى عادات عشائرية. واتخذت مضموناً خدم بالفعل الطبقة الحاكمة، وأصبح وسيلة لاضطهاد الجماهير. وكما يقول الفلاسفة: " فالظروف الاجتماعية التي تساعد على تواجد الطبقات ممكن أن تتغير جذرياً ". أما المعتقدات والأفكار التي انغرست في الشعب، نتيجة الظروف الاجتماعية الماضية فهي مستمرة في وجودها، معرقلة نمو كل جديد. ولا شك أيضا في أن ترسيخ العقائد والإيمان في نفوس البشر " لا يتم دون صراعات واصطدامات، لأن العملية بحد ذاتها تمس الشعور الداخلي ويحرك السيكولوجيا البشرية Human Psychology  من أعماقها. هذا هو التقويم والتهذيب في واقع الأمر، إن لم يكن يعني تحطيم العادات والتقاليد ذات النفوذ منذ قرون طويلة.

إن ترسبات وبقايا العلاقات العشائرية، والتي لم تزل قائمة إلى الآن، وتعمل في الحياة الاجتماعية للشعب الشيشاني، تخلق مصاعب ومعضلات معينة في طريق تقدمنا إلى الأمام.

ومن الطبيعي أن الحكومات ( بإداراتها المختلفة وبمساعدة المجتمع نفسه) لها دور بارز في إزالة مخلفات الماضي السيئة. وتستمد الحكومة قوتها الكاملة في عملها هذا من وقوف الناس أنفسهم ضد العقائد والعادات المتخلفة، وكل ما هو سلبي.

القسم العاشر

الخاتـــــــــمة

هدفنا الرئيس من هذا الكتاب هو محاولة حل المسائل المتعلقة بجوهر التنظيم العشائري الشيشاني، وتوضيح علاقته مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى.

إن التقاليد عندما تتحول إلى عادات تصبح حية وقوية تماماً ، وتغدوا من القواعد الأخلاقية والأدبية في حياة الناس العادية. لهذا السبب نجد في وقتنا الراهن من الأهمية بمكان دراسة القانون الحقوقي العادي للشيشان. ومن الضروري أن ندرك الماضي القديم، لكي نتفهم بشكل سليم عمليات التطور التاريخي المتواصلة للشعب الشيشاني.

حتى نهاية القرن التاسع عشر، بقيت عادات وتقاليد العشائر الشيشانية سائدة، على الرغم من حدوث قفزات اقتصادية - اجتماعية عميقة في حياة هذا المجتمع. لقد استخدم الشيشاني المحراث الذي يجره الحيوان، واستحوذ على ملكيته الخاصة للأرض. وباتت تركة الميت توزع على أسرته فقط وليس على المجتمع كله. ثم دخلت الصناعات الخشبية والحرف اليدوية، وتطورت تجارة المقايضة والمبادلة... وهكذا نشأت مراكز البيع والشراء - الأسواق المركزية، التي تطورت معها العلاقات الاقتصادية المتبادلة للمنتجين الأفراد (الإنتاج النباتي والحيواني، الصيد والحرف المتنوعة الأخرى).

ونتيجة لهبوط مستوى تطور القوى المنتجة آنذاك، فقد ساد تبادل السلع الفطري البسيط على التجارة بمعناها العام. وضاق نطاق الحياة الاقتصادية، وتراجعت إلى الوراء.

إن مثل هذه وغيرها من التغيرات رغم أنها ليست على قدر كبير من الأهمية، تفضي في النهاية إلى تغير شامل في وضع المجتمع، وتغذية مسيرته للأمام بدرجة كبيرة.

وعلى هذا النحو وفي أواسط القرن السابع عشر، دخلت التركيبة الاجتماعية للشيشان مرحلة اتحاد عشائري على مستوى كبير من التطور، نظرا لما أحرزه من تقدم في العلاقات الاجتماعية. وتألّف هذا الاتحاد العشائري من :

أولا  :  وارْ - أو عشيرة (تايب)، وتعني مجموعات من الأقارب بالدم،  ينتمون لعشيرة محددة.

ثانيا : تُوقُومْ - أو قبيلة، وتعني اتحاد عشائري يقوم على قرابة الدم. وهذه العشائر انضمت مع بعضها البعض مكونة جماعة أعلى نوعا ما، من أجل أهداف مشتركة.

ثالثا : قَمْ - أي شعب أو قوم أو أُمّة، وتعني اتحاد قبائلي من عدة عشائر يرتفع إلى مستوى شعب أو أُمة. وغالبا ما ينتظم هؤلاء في قبائل تتكلم بلهجة واحدة من لغة وايناخ العامة All National Language Of Vainakhs.

هكذا كان التنظيم العشائري للمجتمع الشيشاني قبل قيام دولتهم. وكان الشيشان في هذه المرحلة من التاريخ يزرعون وينتجون المحاصيل الحقلية كالقمح والشعير والذرة، والقرعيات والتبغ والأشجار المثمرة. وأتقنوا حياكة النسيج ومعالجة الجلد من دباغة وتصنيع. وتكونت أهم أسلحتهم من القوس والسهم والقامة الحربية - الخنجر الطويل (شالْتا بالشيشانية) والترس. ولبسوا الملابس الجلدية والمنسوجات، وكانوا صيادين متمرسين، وبنوا البيوت والقلاع. كما خبزوا الخبز وجهزوا الطعام المتنوع.

ومن خلال الحفريات والاكتشافات المستمرة في مناطق بلاد الشيشان إنجوش، تم العثور على أشياء أثرية نادرة مثل أوعية ماء برونزية إيرانية، ومجموعة من العقود المصنوعة من الخرز الزجاجي وبألوان زيتية من مصر. ونماذج من أكاليل أو شارات من العظم من بقايا شعوب السّكيف المتنقلة... وغيرها من الأشياء تدل كلها على وجود علاقات وطيدة للشيشان مع العالم الخارجي.

لم يعد الزواج الأحادي (زوج واحد للمرأة) Monogamy  في القرن السابع عشر شيئا طارئا على المجتمع الشيشاني. لقد ضمت مجموعة العائلة الواحدة إلى نفسها عدة أجيال من الأقارب مع زوجاتهم والأولاد؛ الذين اعتبروا أحفاد جد واحد. وهكذا كانت نهاية الحياة الاجتماعية القديمة.  واصبح أفراد هذه الجماعة شهودا على تفشي الأنانية فيما بينهم، وازدياد الاهتمام بالمصالح الفردية أو الشخصية، مما أدى في النهاية إلى ضعف احترام المصالح الاجتماعية العامة.

إن الصراع الذي احتدم في ذلك الوقت مع الماضي كان صعبا ودياليكتيكياً. ومضت الفترة المديدة من الماضي السحيق، وحتى نهاية القرن السابع عشر، دون أن تترك آثاراً للتاريخ أو أي دلائل تشير إلى شيء ما يرجع إليها الباحث.

بعد الاطلاع على الاكتشافات التي تمت في الآونة الأخيرة على أيدي المنقبين وعلماء الآثار، وبعد دراسة التراث الفلكلوري لهذا الشعب؛ نتوصل إلى نتيجة لا تقبل النقاش وهي - انعدام التكافؤ في أوائل القرن السابع عشر،  بين أعضاء العشيرة الشيشانية من الناحية الاقتصادية، بحكم الفروق الاجتماعية داخل العشيرة.

إن الأشعار الشعبية والأساطير الرائعة بمحتواها ومضمونها تُلقي ضوءاً كاشفا على القرون الخوالي، وتتيح لنا النظر بإمعان في تاريخ الشعب الشيشاني. وهي تصور لنا طبيعة الحياة والصراع الاجتماعي لتلك الفترة البعيدة، بين مختلف القبائل الشيشانية. والحقيقة أننا نجابه هنا مشكلة تحديد تواريخ هذه الأساطير والأشعار. وعلى الرغم من ذلك، وعلى أساس التحاليل والمعطيات الفلكلورية والاكتشافات الأثرية، نستطيع وبكل جرأة القول : -

أولا : كانت العشيرة الشيشانية في القرن السابع عشر عبارة عن شكلمن أشكال المجتمع العشائري البطريركي الكبير، الذي وصل مرحلة التحلل والتفكك، حيث كان جميع أفراده متساوين في الحقوق والواجبات وفي الإنتاج والاستهلاك.

ثانيا : تضافر جهود أعضاء العشيرة في تلك الحقبة من الزمن من أجل مصلحة علاقات القرابة بالدم، وليس من أجل المصالح الاقتصادية الفردية، كما ولا تدخل هنا كل قرابة؛ بل تلك المنحدرة عن الجد الواحد فقط.

ثالثا : تطلب مرور العشيرة بتاريخ طويل من تطورها إلى تحديث مستمر في العلاقات والارتباطات العشائرية.

ما هي الأسباب التي ساعدت الشيشان على الحفاظ لدرجة طويلة على مثل تلك المؤسسات العشائرية ؟! إن واحدة من تلك الأسباب تكمن كما نعتقد في ركود وتوقف العلاقات الإقطاعية في المجتمع الشيشاني. هذه العلاقات التي سادت وسيطرت لحقبة طويلة من الزمن على عملية تبادل السلع البدائي البسيط، إضافة إلى أشكال الحياة المنغلقة للناس وخصوصا بين فئة المزارعين.

ومن جهة أخرى هناك شيء مخالف - وهو أن تحلل (تفكك) التنظيم العشائري للمجتمع، وتكون الاتحاد القبائلي، لم يكن نتيجة للتغيرات الداخلية فيه فقط، إذ لعبت التأثيرات الخارجية دوراً فعالاً أيضاً. وبالذات - الصراعات والمنافسات الحربية، التي أصبحت مع ظهور الملكية الفردية الطريق الرئيسة للغنى وتملك الثروات.

هكذا كانت الظروف مواتية تماما خلال القرن السابع عشر لتجميع الثروات والأموال الوفيرة لدى الأسرة، الأمر الذي وفر لها عامل القوة، بعكس ما حصل للعشيرة بأكملها. فالأسرة الصغيرة المكونة فقط من الأبوين والأولاد، أصبحت الخلية الأساسية لتكوين مجتمع طبقي جديد، ظهرت فيه صراعات وحروب متواصلة من أجل التملك والغنى، أو حيازة الأشياء، وتسلط القوي على الضعيف.

انتهت الترجمة في 14/10/ 1986